في تفسير آيات من سورة ق الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا أنزله هدى للمتقين وعبرة للمتعظين فأحيا به القلوب وأصلح به الأعمال وذكر به من الغفلة وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما.
أما بعد: فلقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعظ الناس بهذا القرآن الذي جعله الله تعالى نورا وهداية فلا شيء أشفى لمرض القلوب من القرآن ولا شيء أقوم للأحوال من القرآن:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء: ٩] لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب الناس بسورة ق والقرآن المجيد لأنها سورة عظيمة ذكر فيها المبدأ والمعاد مبدأ الإنسان منذ خلقه الله وذكر أحواله وأعماله وغايته.
ابتدأ الله هذه السورة بالانكار على المكذبين الذين كذبوا رسوله محمدا -صلى الله عليه وسلم- وانكروا ما جاء به من البعث والحساب وقالوا أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد. فبين الله تعالى أنهم حينما كذبوا بالحق لما جاءهم اختلط عليهم الأمر والتبست عليهم الحقائق فهم في أمر مريج وهكذا كل من كذب بالحق لا بد أن تلتبس عليه الحقائق وتختلط عليه الأمور فلا يعرف الحق من الباطل ولا الصالح من الفاسد.
ولقد نبه الله هؤلاء المكذبين بالبعث على قدرته على ذلك بما يشاهدونه من هذه المخلوقات العظيمة الدالة على قدرته البالغة:{أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ - وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ}[ق: ٦ - ٧]- وهي الجبال - {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ - تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ}[ق: ٧ - ٨]
ففي مد الأرض وبناء السماء وتزيين الأرض بالنبات البهيج وتزيين السماء بالنجوم النيرة في كل هذا كله تبصرة وذكرى يتبصر بعقله ويتذكر بفكره تمام قدرة الله تعالى وحكمته ونبه سبحانه على قدرته على البعث بما يشاهده الناس من إنزال المطر من السماء وإخراج النبات به من البساتين والحبوب:{وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ - رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ}[ق: ١٠ - ١١] ثم حذر الله هؤلاء المكذبين مما فعله بالمكذبين السابقين الذين حق عليهم وعيد الله بعذابه ونكاله بهم وقرر الله سبحانه وتعالى قدرته على إعادة الخلق مرة ثانية بقدرته على