[الخطبة الثانية في نماذج من نعم الله في شهر رمضان]
الخطبة الثانية
في نماذج من نعم الله في شهر رمضان الحمد لله المتفضل بالجود والإحسان المنعم على عباده بنعم لا يحصيها العد والحسبان، أنعم علينا بإنزال هذا القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، ونصر نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه ببدر، وسماه يوم الفرقان، وأعزه بفتح مكة أم القرى وتطهيرها من الأصنام والأوثان فيا له من عز ارتفع به صرح الإسلام، واندك به بنيان الشرك والطغيان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الرحيم الرحمن، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على جميع الأديان صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين نصروه، وأعانوه، فنعم الأنصار هم، ونعم الأعوان، وعلى التابعين لهم بإحسان ما توالت الدهور والأزمان، وسلم تسليما.
أما بعد أيها الناس: اتقوا الله تعالى: واشكروه على ما أنعم به عليكم من نعم وافرة سابغة خصوصا في هذا الشهر الكريم شهر رمضان، ففيه أنزل الله كتابه المبين رحمة للعالمين، ونورا للمستضيئين، وهدى للمتقين، وعبرة للمعتبرين، كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فيه خبر ما قبلكم، ونبأ ما بعدكم، وحكم ما بينكم، من تمسك به نجا، ومن طلب الهدى منه اهتدى، ومن أعرض عنه وقع في الهلاك والردى، فبؤسا للمعرضين الهالكين.
وفي هذا الشهر غزوة بدر الكبرى التي نصر الله فيها عساكر الإيمان وجنود الرحمان، وهزم فيها جنود الشيطان وأنصار الشرك والطغيان، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه خروج أبي سفيان بعير قريش من الشام، ندب أصحابه إلى تلك العير، فخرجوا في ثلثمائة وبضعة عشر رجلا فقط لا يريدون إلا العير لا يريدون عدوهم، ولكن الله بحكمته جمع بينهم على غير ميعاد ليقضي سبحانه ما حكم به، وأراد، فإن أبا سفيان لما علم بخروج النبي صلى الله عليه وسلم بعث صارخا إلى أهل مكة يستنجدهم ليمنعوا عيرهم، فخرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس، ويصدون عن سبيل الله يقول قائلهم: والله لا نرجع حتى نقدم بدرا، ونقيم فيها ثلاثا ننحر الجزور، ونطعم الطعام، ونسقى الخمور، وتسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا أبدا قالوا هذا، ولكن الله بما يعملون محيط، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وأنصاره حفيظ، فأوحى الله إلى ملائكته: