للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخطبة الثانية في التحذير من الوصية لبعض الورثة]

الخطبة الثانية

في التحذير من الوصية لبعض الورثة الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من بشر وأنذر وأمر وزجر صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.

أما بعد، فإن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم هاديا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فقام بأعباء الرسالة خير قيام ونصح عباد الله أبلغ نصيحة، وكان مما يعظ به الناس كلام الله فكان يقرأ في المناسبات ما يناسب الوقت، «وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجر يوم الجمعة بعد الفاتحة في الركعة الأولى آلم تنزيل السجدة كاملة، وفي الركعة الثانية هل أتى على الإنسان كاملة» ، وكان يديم ذلك، وذلك لما تضمنته هاتان السورتان من ذكر مبدأ الخلق ومنتهاه ومبدأ خلق الإنسان وسعيه ونهايته وجزائه، وأن الناس خلقوا من أصل واحد ثم انقسموا قسمين شاكرا وكفورا ومؤمنا وفاسقا {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ - أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: ١٨ - ١٩] وقد بسط الله شيئا من نعيم هذه الجنات في سورة هل أتى على الإنسان {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [السجدة: ٢٠]

أما صلاة الجمعة فكان يقرأ فيها بعد الفاتحة أحيانا بسورة الجمعة في الركعة الأولى وسورة المنافقين في الركعة الثانية، وأحيانا يقرأ في الأولى سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية هل أتاك حديث الغاشية لما في ذلك من المناسبة والتذكير والوعظ. أيها المسلمون، إن مما جاء في كتاب الله تعالى وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيما أجمع عليه علماء المسلمين أنه لا وصية لوارث، وأن من أوصى لبعض ورثته دون الآخرين فقد عصى الله ورسوله وتعدى حدود الله وظلم نفسه وظلم ورثته حيث اقتطع من حق بعضهم لبعض، ومن أوصى بوقف شيء من ماله على بعض ورثته حيث اقتطع من حق بعضهم لبعض ومن أوصى بوقف شيء من ماله على بعض ورثته دون بعض فقد أوصى لوارث، حيث خص بعض ورثته باستغلال ما أوقفه عليهم دون الآخرين. وإذا كان لا يجوز أن يوصي لبعض ورثته باستغلال العقار سنة أو بسكنى الدار شهرا فكيف يجوز له أن يوصي بوقفه عليه واستغلاله دائما؟ هذا شيء لا يمكن أبدا ولا تأتي

<<  <  ج: ص:  >  >>