للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قدمت عليَّ أمي وهي مشركة وكان أبو بكر قد طلقها في الجاهلية فقدمت على ابنتها أسماء في المدينة بعد صلح الحديبية قالت أسماء فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: «يا رسول الله قدمت علي أمي وهي راغبة أي راغبة في أن تصلها ابنتها أسماء بشيء أفأصل أمي يا رسول الله قال نعم صلي أمك» .

أيها المسلمون إن بر الوالدين يكون ببذل المعروف والإحسان إليهما بالقول والفعل والمال أما الإحسان بالقول فأن تخاطبهما باللين واللطف مستصحبًا كل لفظ طيب يدل على اللين والتكريم وأما الإحسان بالفعل فأن تخدمهما ببدنك ما استطعت من قضاء الحوائج والمساعدة على شؤونهما وتيسير أمورهما وطاعتهما في غير ما يضرك في دينك أو دنياك والله أعلم بما يضرك في ذلك فلا تفت نفسك في شيء لا يضرك بأنه يضرك ثم تعصهما في ذلك. وأما الإحسان بالمال فأن تبذل لهما من مالك كل ما يحتاجان إليه طيبة به نفسك منشرحًا به صدرك غير متبع له بمنة ولا أذى بل تبذله وأنت ترى أن المنة لهما في ذلك في قبوله والانتفاع به.

وإن بر الوالدين كما يكون في حياتهما يكون أيضًا بعد مماتهما فقد أتى رجل من بني سلمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال «يا رسول الله هل بقي من بر أبويّ شيء أبرهما بعد موتهما قال نعم الصلاة عليهما يعني الدعاء لهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما أي وصيتهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما» (رواه أبو داود) . الله أكبر ما أعظم بر الوالدين وأشمله حتى إكرام صديقهما وصلته من برهما. وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنه كان يسير في طريق مكة راكبًا على حمار يتروح عليه إذا مل الركوب على الراحلة فمر به أعرابي فقال أنت فلان بن فلان قال بلى فأعطاه الحمار وقال: اركب هذا وأعطاه عمامةً كانت عليه وقال اشدد بها رأسك فقالوا لابن عمر غفر الله لك أعطيته حمارًا كنت تروح عليه وعمامة تشد بها رأسك فقال ابن عمر إن هذا كان صديقًا لعمر وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «إن من أبر البر صلة الرجل أهل وُدّ أبيه» .

أيها المسلمون هذا بيان منزلة البر وعظيم مرتبته أما آثاره فهي الثواب الجزيل في الآخرة والجزاء بمثله في الدنيا فإن مَن برّ بوالديه برّ به أولاده. وتفريج الكربات ففي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما «في قصة الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار فدخلوه

<<  <  ج: ص:  >  >>