للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فانطبقت عليهم صخرة فسدته عليهم فتوسلوا إلى الله تعالى بصالح أعمالهم أن يفرج عنهم فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلًا ولا مالًا فنأى بي طلب الشجر يومًا فلم أرُح عليهما حتى ناما فحلبت غبوقهما فوجدتهما نائمين فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر فاستيقظا فشربا غبوقهما اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنَّا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفرجت قليلًا وتوسل صاحباه بصالح من أعمالهما فانفرجت كلها وخرجوا يمشون» . وإن في بر الوالدين سعة الرزق وطول العمر وحسن الخاتمة فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من سره أن يمد له في عمره ويوسع له في رزقه ويدفع عنه ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه» . (إسناده جيد) وبر الوالدين أعلى صلة الرحم لأنهم أقرب الناس إليك رحمًا.

أيها المسلمون إنه لا يليق بعاقل مؤمن أن يعلم فضل بر الوالدين وآثاره الحميدة في الدنيا والآخرة ثم يعرض عنه ولا يقوم به أو يقوم بالعقوق والقطيعة فلقد نهى الله تعالى عن عقوق الوالدين في أعظم حال يشق على الولد برهما فيها فقال تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا - وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: ٢٣ - ٢٤] ففي حال بلوغ الوالدين الكبر يكون الضعف البدني والعقلي منهما وربما وصلا إلى أرذل العمر الذي هو سبب للضجر والملل منهما وفي حال كهذه نهى الله الولد أن يتضجر أقل تضجر من والديه وأمره أن يقول لهما قولًا كريمًا وأن يخفض لهما جناح الذل من الرحمة فيخاطبهما مخاطبة من يستصغر نفسه أمامهما ويعاملهما معاملة الخادم الذي ذل أمام سيده رحمةً بهما وإحسانًا إليهما ويدعو الله لهما بالرحمة كما رحماه في صغره ووقت حاجته فربياه صغيرًا.

إن على المؤمن أن يقوم ببر والديه وأن لا ينسى إحسانهما إليه حين كان صغيرًا لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا وأمه تسهر الليالي من أجل نومه وترهق بدنها من أجل راحته وأبوه يجوب الفيافي ويتعب فكره وعقله وجسمه من أجل حصوله على معاشه والإنفاق عليه ولكل منهما بر بجزاء عمله. ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا قال

<<  <  ج: ص:  >  >>