بيني وبين نفسها ففعلت حتى إذا قعدت بين رجليها قالت اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فقمت وانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنَّا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة إلا أنهم لا يستطيعون الخروج منها. وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك أجره وذهب فثمرت له أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال يا عبد الله أدِّ إليَّ أجري فقلت كل ما ترى من الإبل والبقر والغنم والرقيق فهو لك من أجرك فقال يا عبد الله لا تستهزئ بي فقلت إني لا أستهزئ بك فأخذه كله واستاقه ولم يترك منه شيئًا اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون» .
فالأول من هؤلاء ضرب مثلًا عظيمًا في البر بوالديه بقي طوال الليل والإناء على يده لم تطب نفسه أن يشرب منه ولا أن يسقي أولاده وأهله ولا أن ينغص على والديه نومهما حتى طلع الفجر. وأما الثاني فضرب مثلًا بالغًا في العفة الكاملة حيث تمكن من حصول مراده من هذه المرأة التي هي أحب الناس إليه ولكن لما ذكرته بالله تركها وهي أحب الناس إليه ولم يأخذ شيئًا مما أعطاها. وأما الثالث فضرب مثلًا في غاية الأمانة والنصح حيث نمى للأجير أجره فبلغ ما بلغ وسلمه إلى صاحبه ولم يأخذ على عمله شيئًا فكان من جزاء هذه الأعمال الصالحة التي تعرفوا بها إلى الله في حال الرخاء أن الله عرفهم في حال الشدة فأنقذهم من الهلاك.
وهذه سنة الله في خلقه إلى يوم القيامة من تعرف إلى ربه في حال الرخاء عرفه في حال الشدة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة» .
أيها الناس إن الشدائد أنواع منوعة وإن أعظم شدة يقع فيها الإنسان ما يكون من شدة الموت عند فراق المألوف واستقبال المخوف فإذا كان العبد ممن تعرف إلى الله في حال صحته وحياته عرفه سبحانه في حال شدته عند وفاته فهون الأمر عليه وأحسن له الخاتمة وانتقل من الدنيا على أحسن حال. وأما إن كان معرضًا عن الله لم يزده الرخاء إلا بطرًا وبعدًا عن الله تعالى فحري بأن يكله الله إلى نفسه ويتخلى عنه حال شدائده فتحيط به سيئاته ويموت على