للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصفاء.

وأما مجتمعهم فمجتمع كامل: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر: ٤٧] لا يسمعون فيها لغوا من القول وهو ما لا فائدة فيه ولا تأثيما كلاما يأثمون بل كلامهم ذكر لله وتسبيح له وتحدث بينهم بما أنعم الله عليهم في الدنيا (وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين) : {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ - الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} [فاطر: ٣٤ - ٣٥]

هؤلاء هم السابقون إلى طاعة ربهم يقومون بالواجبات والمستحبات ويتركون المحرمات والمكروهات فكان نعيمهم أكمل النعيم وأحوالهم أكمل الأحوال.

أما الصنف الثاني فهم أصحاب اليمين وهم من أهل الجنة ولكنهم أقل حالا من السابقين {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ} [الواقعة: ٢٨] شوكه فليس فيه شوك {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} [الواقعة: ٢٩] من التمر من أسفله إلى أعلاه.

وهذا السدر والطلح ليس مشابها لما في الدنيا الاسم هو الاسم ولكن الحقيقة غير الحقيقة قال الله تعالى في الحديث القدسي أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأيت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ولأصحاب اليمين نعيم دائم {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ - لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة: ٣٢ - ٣٣] يعني لا تنقطع في وقت من الأوقات كما تنقطع فواكه الدنيا ولا ممنوعة عن مبتغيها كما تمنع فواكه الدنيا.

أما جلوسهم ففي فرش مرفوعة وأما نساؤهم فقد أنشأ الله الحور منهن إنشاء بدون ولادة وأنشأ نساء الدنيا من أهل الدنيا إنشاء جديدا فجعلهن أبكارا لا يرجعن ثيبات أبدا كلما عاد إليها زوجها وجدها بكرا.

ومن تمام النعيم أن جعلهن الله عربا يتحببن إلى أزواجهن بالتلطف والمداراة أترابا على سن واحدة حتى لا تفخر واحدة على الأخرى أو ترى نفسها دون الثانية.

أما الصنف الثالث وهم أصحاب الشمال فلا تسأل عن حالهم إنها حال البؤس والشقاء والعناء في سموم هواء حار من النار يلفح وجوههم ويدخل في مسام جلودهم وليس عندهم ما يبرد السموم سوى ماء حميم شديد الحرارة {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ - يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} [الحج: ١٩ - ٢٠] كما أنهم ليس لهم ما يحجب هذا السموم سوى ظل من يحموم واليحموم هو الدخان الأسود الحالك {لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ} [الواقعة: ٤٤] ليس فيه وقاية ولا نفع فهذا مكانهم وموضع إقامتهم أما طعامهم وشرابهم فإن الله يقول

<<  <  ج: ص:  >  >>