النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو دعاء على الراشي والمرتشي بلعنة الله، وهي الطرد والإبعاد عن رحمة الله كما لعن الشيطان فطرد وأبعد عن رحمة الله عز وجل، أيها المسلمون إن لعنة الله ورسوله لا تكون إلا على أمر عظيم ومنكر كبير وإن الرشوة لمن أكبر الفساد في الأرض، لأنها بها تغيير حكم الله وتضييع حقوق عباد الله وإثبات ما هو باطل ونفي ما هو حق. إن الرشوة فساد في المجتمع وتضييع للأمانة، وظلم للنفس يظلم الراشي نفسه ببذل المال لنيل الباطل ويظلم المرتشي نفسه بالمحاباة في أحكام الله يأكل كل منهما ما ليس من حقه ويكتسب حراما لا ينفعه بل يضره ويسحت ماله أو بركة ماله إن بقي المال.
إن الرشوة تكون في الحكم فيقضى من أجلها لمن لا يستحق، أو يمنع من يستحق أو يقدم من غيره أحق بالتقديم، وتكون الرشوة في تنفيذ الحكم فيتهاون من عليه تنفيذه بتنفيذه من أجل الرشوة، سواء كان ذلك بالتراخي في التنفيذ، أو بعمل ما يحول بين المحكوم عليه وألم العقوبة إن كان الحكم عقوبة.
إن الرشوة تكون في الوظائف والمسابقة فيها، فيقدم من أجلها من لا ينجح أو تعطى له أسئلة المسابقة قبل الامتحان فيولى الوظيفة من غيره أحق منه، وفي الحديث عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال:«من استعمل رجلا من عصابة - أي من طائفة - وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين»(رواه الحاكم وصحح إسناده) . وإن الرشوة تكون في تنفيذ المشاريع ينزل مشروع عمل في المناقصة فيبذل أحد المتقدمين رشوة، فيرسو المشروع عليه مع أن غيره أنصح قصدا وأتقن عملا ولكن الرشوة عملت عملها. وإن الرشوة تكون في التحقيقات الجنائية أو الحوادث أو غيرها، فيتساهل المحققون في التحقيق من أجل الرشوة، وفي الحديث عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول (رواه أبو داود ومن حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه) والغلول إثمه عظيم، فقد «جاء رجل إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: استشهد مولاك أو قال: غلامك فلان، قال: بل يجر إلى النار في عباءة غلها»(رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح) . وأغرب من ذلك أن تدخل الرشوة في التعليم والثقافة، فينجح من أجلها من لا يستحق النجاح، أو تقدم له أسئلة الامتحان أو يشار إلى أماكنها من المقررات، أو يتساهل المراقب في مراقبة الطالب من أجلها فيتقدم هذا الطالب مع