ونناصحهم سالكين بذلك أقرب الطرق في بيان الحق لهم وشرح خطئهم، ثم نعظهم ونذكرهم فيما يجب عليهم من النصح لمن تحت أيديهم ورعاية مصالحهم ورفع الظلم عنهم ونذكرهم بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله:«اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه» وقوله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة» ثم إن اتعظ بواعظ القرآن والحديث فذلك هو المطلوب، وإن لم يتعظ بواعظ الحديث والقرآن وعظناه بواعظ السلطان بأن نرفع الأمر إلى من فوقه ليصلح من حاله، فإذا بلغنا الأمر إلى أهله الذين ليس فوقهم ولي من المخلوقين فقد برئت بذلك الذمة ولم يبق إلا أن نرفع الأمر إلى رب العالمين ونسأله إصلاح أحوال المسلمين وأئمتهم.
أما الموضوع الثاني: فهو حال أهل الخير السابقين إليه والمقتصدين فيه مع الظالمين لأنفسهم العاصين لربهم، فإن مجتمعنا ككل مجتمع فيه أهل خير وأهل شر وأهل طاعة وأهل معصية، وإن كثيرا من أهل الخير يسلكون بالنسبة إلى أهل المعصية مسلكا غير حكيم فتجدهم يكرهونهم كراهية مطلقة ويتكلمون في أعراضهم في كل مجلس وينفرون منهم، وهذا مسلك لا يحل المشكلة ولا يقيم الأمور على ما ينبغي، فأهل المعاصي من المؤمنين فيهم خير وفيهم شر فيجب أن نحبهم على خيرهم وهو ما معهم من الإيمان ونكرههم على شرهم وهو ما حصل منهم من المعاصي. أما أن نكرههم كراهية مطلقة ونعاديهم عداء مطلقا فهذا غير صحيح شرعا ولا عقلا؛ ثم إن الواجب علينا نحوهم أن نتصل بهم ونتكلم معهم ونزيل الوحشة التي بيننا وبينهم، فكلنا إخوان في الدين ما دمنا مؤمنين، فإن المعاصي لا تزيل الإخوة الإيمانية بين المؤمنين فنناصحهم ونبين لهم مفاسد المعاصي ومصالح الطاعة، وأن لزوم الطاعة أمر يسير لا يمنع منه إلا ضعف العزيمة وذلة الاستسلام للهوى والتقليد الأعمى، ونسعى نحن وهم في إصلاح أمورهم ما استطعنا لأن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، ومثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
أما البعد عنهم واعتقاد أننا في واد وهم في واد ثم تركهم وأنفسهم لا نعينهم عليها فهذا خطأ يؤدي إلى شر كبير وتفكك في المجتمع وتفرق في آرائه وأحواله، مع أننا أيها الإخوان بيننا