تأخذ بالأيسر اتباعا للمشروع وتحريا لبركة النكاح ورأفة بإخوانك الذين يعجزون عما تقدر عليه، وإذا دخلت على أهلك ورغبت فأعطهم ما تشاء. ولو أننا نسلك طريقة لتسهيل الأمر وتخفيف حدة المغالاة بتأجيل بعض المهر، بأن تقدم من المهر ما دعت الحاجة إليه في النكاح ونؤجل الباقي في ذمة الزوج لكان هذا جائزا وحسنا وفي ذلك تسهيل على الزوج ومصلحة للزوجة، فإن ذلك أدعى لبقائها معه لأنه لو طلقها لحل المهر المؤجل إذا لم يكن له أجل معين. فانظروا - رحمكم الله - هذه المشكلة بعين الاعتبار ولا تجعلوا المهور محلا للمفاخرة والمباهاة ويسروا ييسر الله عليكم.
أما الوجه الثاني من هذه المشكلة فهي امتناع الأولياء من قبول الخطاب، فإن بعض الأولياء يمتنع من تزويج من له عليها ولاية، وهذا لا يجوز إذا كان الخاطب كفؤا ورضيته المخطوبة لقوله تعالى في المطلقات إذا أراد زوجها نكاحها بعد تمام العدة {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة: ٢٣٢] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض، قالوا: يا رسول الله وإن كان فيه، قال: إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه» ثلاث مرات. هذا وفي منع المرأة من تزويجها بكفئها ثلاث جنايات، جناية الولي على نفسه بمعصية الله ورسوله، وجناية على المرأة حيث منعها من كفئها الذي رضيته، وجناية على الخاطب حيث منعه من حق أمر الشارع بإعطائه إياه. وإذا امتنع الولي من تزويج موليته بكفء رضيته سقطت ولايته وصارت الولاية لمن بعده الأحق فالأحق كما قال أهل العلم - رحمهم الله -، وقالوا إذا تكرر منه هذا صار فاسقا ناقص الإيمان والدين، حتى قال كثير من أهل العلم لا تقبل شهادته ولا تصح إمامته ولا ولايته ولا جميع أفعاله وتصرفاته التي يشترط لها العدالة. فاتقوا الله أيها الناس واتقوا الله أيها الأولياء وزوجوا من ترضون دينه وخلقه ولا تمنعوا النساء، فإن في ذلك تعطيلا للرجال والنساء وتفويتا لمصالح النكاح وانتشارا للمفاسد، إذا لم يتزوج أبناؤنا ببناتنا فبمن يتزوجون؟ وإذا لم نزوج بناتنا بأبنائنا فبمن نزوجهن؟ أترضون أن يتزوج أبناؤنا بنساء أجنبيات بعيدات عن بيئتنا وعاداتنا ولهجاتنا، فتتغير البيئة والعادة واللهجة بجلبهن، وربما حصل منهن إتعاب للزوج بكثرة طلبهن السفر إلى بلادهن أو غير ذلك. أترضون أن تبقى بناتنا بدون أزواج يحصنون فروجهن