للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مهدم بناؤها يابسة أشجارها هامدة أرضها فقال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه وكان معه حمار وطعام وشراب فأما الحمار فمات وانجلى لحمه وجلده وبرزت عظامه تلوح وأما الطعام والشراب فلم يتغير مع بقائه هذه المدة الطويلة في الشمس والهواء فقال الله لهذا الرجل: {فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ} [البقرة: ٢٥٩] أي لم يتغير: {وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا} [البقرة: ٢٥٩] فنظر إلى عظام حماره ينشزها الله يركب بعضها فوق بعض كل عظم في محله ونظر كيف يرتبط بعضها ببعض ونظر إلى اللحم يكسو هذه العظام فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير، وفي قصة إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- حين سأل الله تعالى أن يريه كيفية إحياء الله الموتى قال له: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [البقرة: ٢٦٠] أي ضمهن وقطعهن أجزاء: {ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا} [البقرة: ٢٦٠] ليتباعد ما بينهن ففعل ذلك ثم دعاهن فالتأمت أجزاء هذه الطيور كل جزء من طير على جزئه وكل ريشة في مكانها حتى تكاملت الطيور بلحظة وجاءت إلى إبراهيم تسعى وكانت رؤوسهن معه فاتصل كل جسم برأسه الذي خلقه الله له قبل ذبحه لقد أرى الله ذلك عباده في الدنيا وأخبر أن بعث العالم كله بعد موته هين على الله تعالى: {مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمان: ٢٨]- {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: ٢٧]- {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: ٥٢]- {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} [الروم: ٢٥]- {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس: ٥٣]- {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ - فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات: ١٣ - ١٤]

هذا الخلق كله من أوله إلى آخره صغاره وكباره ذكوره وإناثه إذا أراد الله بعثهم دعاهم دعوة واحدة فخرجوا جميعا لا يتخلف أحد منهم يقول المجرمون منهم يا ويلتنا من بعثنا من مرقدنا فيقال هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلين.

ومن آيات الله ما ذكره البخاري في صحيحه أن رجلا نصرانيا أسلم في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان يكتب للنبي -صلى الله عليه وسلم- ثم ارتد نصرانيا فكان يقول ما يدري محمد إلا ما كتبت له فأماته الله فدفنه أصحابه فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه نبشوا عن صاحبنا فحفروا له وأعمقوا فلفظته الأرض مرة ثانية ثم حفروا له وأعمقوا ما استطاعوا فلفظته الأرض مرة ثالثة فعلموا أنه ليس ذلك من الناس فتركوه منبوذا على ظهر الأرض فآيات الله كثيرة وقدرته عظيمة فاعتبروا أيها

<<  <  ج: ص:  >  >>