للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سرا حتى نزل قوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: ٩٤] فصدع بأمر الله تعالى وجهر بدعوته فجعلت قريش تسخر به وتستهزئ به ويؤذونه بالقول وبالفعل وكان من أشد الناس إيذاء له وسخرية به عمه أبو لهب الذي قال الله فيه: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: ١] إلى آخر السورة حتى بلغ من إيذائهم له أن ألقوا عليه فرث الناقة وسلاها وهو ساجد فلم يقدر أحد على رفعه عنه فلم يزل ساجدا حتى جاءت ابنته فاطمة فألقته فلما رأى صلى الله عليه وسلم استهانة قريش به وشدة إيذائهم له ولأصحابه خرج إلى أهل الطائف يدعوهم فقابل رؤساءهم وعرض عليهم فردوا عليه ردا قبيحا وأرسلوا غلمانهم وسفهاءهم يقفون في وجهه ويرمونه بالحجارة حتى أدموا عقبه صلى الله عليه وسلم فرجع عنهم ومد يد الافتقار إلى ربه فدعا بدعاء الطائف المشهور: «اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي غير أن عافيتك أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل علي غضبك أو أن ينزل بي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك» ثم قيض الله له الأنصار فبايعوه على عبادة الله وحده لا شريك له وأن يمنعوه إذا قدم عليهم مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم فأذن الله لرسوله بالهجرة إليهم فهاجر في شهر ربيع الأول بعد ثلاث عشرة سنة من مبعثه وكان بصحبته أبو بكر فاختفيا في غار ثور ثلاثة أيام والمشركون يطلبونهم من كل وجه حتى كانوا يقفون على الغار الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فيقول أبو بكر يا رسول الله والله لو نظر أحدهم إلى قدمه لأبصرنا فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحزن إن الله معنا ما ظنك باثنين الله ثالثهما» فلما سمع بذلك الأنصار جعلوا يخرجون كل يوم إلى حرة المدينة يستقبلون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يردهم حر الظهيرة فكان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم هو أنور يوم وأشرفه فاجتمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محيطين به متقلدين سيوفهم وخرج النساء والصبيان وكل واحد يأخذ بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن

<<  <  ج: ص:  >  >>