ابن عمي وأحب الناس إليّ فسلمت عليه فوالله ما رد عليّ السلام فقلت يا أبا قتادة أنشدك الله هل تعلم أني أحب الله ورسوله فسكت فأعدت عليه فسكت ثم أعدت فسكت فقال الله ورسوله أعلم ففاضت عيناي وتوليت فبينما أنا أمشي في أسواق المدينة إذا بنبطي معه كتاب من ملك غسان فيه: أما بعد، فقد بلغنا أن صاحبك قد جفاك فالْحَقْ بنا نواسك أي نجعلك مثلنا فقلت وهذا من البلاء فقصدت به التنور فسجرته به وصدق كعب إن هذا من البلاء والامتحان ولكن الإيمان الراسخ في قلب كعب والصدق الثابت في عقيدته منعاه أن يستجيب لهذه الدعوة المغرية التي جاءت في وقت مناسب لولا تثبيت الله لكعب بن مالك على أنه رضي الله عنه كان في ذلك الوقت في أعز شبابه ابن ثلاث وثلاثين سنة قال كعب فلما مضت أربعون ليلة إذا برسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك فقلت أطلقها أم ماذا أفعل قال اعتزلها ولا تقربها فقلت لامرأتي الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر ما يشاء فلبثنا عشر ليال حتى كمل لنا خمسون ليلة فبينما أنا جالس على ظهر بيت من بيوتنا على الحال التي ذكر الله قد ضاقت عليّ نفسي وضاقت عليّ الأرض بما رحبت سمعت صارخًا على جبل سلع يقول بأعلى صوته أبشر يا كعب بن مالك فخررت ساجدًا لله عرفت أن الله قد جاء بالفرج بالتوبة علينا وانطلقت أقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقاني الناس فوجًا فوجًا يهنئوني بتوبة الله حتى دخلت المسجد فسلمت على النبي صلى الله عليه وسلم والناس حوله فقال وهو يبرق وجهه من السرور أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك قلت أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله قال من عند الله قلت يا رسول الله إنما نجاني الله بالصدق وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقا ما بقيت فوالله ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي» .
أيها المسلمون هذه والله الغبطة والنعمة والفائدة الكبيرة انظروا إلى هؤلاء الثلاثة الذين صدقوا فأدبهم الله بهذا الهجر من رسوله وأصحابه وانظروا إلى هذا الإيمان التام من الصحابة هجروا أقاربهم وبني عمهم امتثالًا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا ضاقت الحال وتراكمت الكربات جاء الفرج من الله فتاب عليهم وأعلنت توبتهم في كتاب الله تتلوها الأمة إلى يوم القيامة أما الذين نافقوا وكذبوا فأنزل الله فيهم