للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكذب حتى لا يبقى دونه حائل فالكذب كغيره من المعاصي تستوحش منه النفس المطمئنة الراضية المرضية فإذا وقعت فيه مرةً هان عليها شأنه ثم تقع منه ثانيًا فيهون عليها أكثر حتى يصبح كأنه سجية وطبيعة فيكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتَب عند الله كذابًا.

والكذب حرام وإن لم يكن فيه أكل لمال الغير بالباطل إذ لم يكن في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن تحريمه مشروط بذلك ولكنه إذا تضمن أكل مال بالباطل كان أعظم جرمًا وأشد عقوبةً فعن عبد الله بن عمرو بن العاص «أن النبي صلى الله عليه وسلم عدَّ الكبائر وفيها اليمين الغموس قيل وما اليمين الغموس قال التي يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها كاذب» (رواه مسلم) . وقال صلى الله عليه وسلم «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة فقال رجل وإن كان شيئًا يسيرًا قال وإن كان قضيبًا من أراك» (رواه أحمد ومسلم) .

إن بعض الناس يكذب ليضحك به القوم فيألف ذلك لما يرى من ضحك الناس ويستمر على عمله فيهون عليه وقد جاء في الحديث «ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ثم ويل له» (أخرجه الثلاثة وإسناده قوي) .

وإن بعض الناس يكذب على الصبيان لأنهم لا يوجهون إليه النقد ولكنه في الحقيقة أوقع نفسه في الكذب وفتح لهم باب التهاون به والتربي عليه وعن عبد الله بن عامر رضي الله عنه أن «أمه دعته فقالت تعالى أعطك فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما أردت أن تعطيه قالت تمرًا فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنك لو لم تعطه شيئا لكتبت عليه كذبةً» (رواه أبو داود والبيهقي) .

فاتق الله أيها المسلم اتق الله في نفسك واتق الله في مجتمعك واتق الله في دينك ألم تعلم أن الدين يظهر في أهله فإذا كان مظهر الأمة الإسلامية مظهر كذب وتقليد أعمى وأكل مال الغير بغير حق فأين المظهر الإسلامي أرأيت إذا ظهر المسلمون بهذا المظهر المشين أفلا يكونون سببًا للتنفير عن دين الإسلام ألا يكونون فريسةً لأراذل الأنام إن أعدائهم ليسخرون بهم ويضحكون إذا رأوهم على تلك الحال كذب في المقال وخيانة في الأمانة وغدر في العهد وفجور في الخصومة وإن أعدائهم ليفخرون عليهم إذا رأوهم يقلدونهم حتى في رذائل الأخلاق التي يحذرهم الإسلام منها فعجبًا وأسفًا لأمثال هؤلاء القوم الذين ألبسوا أنفسهم ما تعروا به أمام أعدائهم واتبعوا سبيل الهالكين وابتعدوا عن سبيل الذين أنعم الله عليهم

<<  <  ج: ص:  >  >>