للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يراقب الله عز وجل الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، عليه أن يؤدي الأمانة كما تحملها لأنه مسئول عنها يوم القيامة. ولربما قال مراقب إذا أديت واجب المراقبة إلى جنب من يضيع ذلك فقد أرى بعض المضايقات، فجوابنا عليه أن نقول اتق الله تعالى فيما وليت عليه واقرأ قول الله تعالى {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: ٢] وقوله: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: ٤] وقوله {فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: ٤٩]

أيها المسلمون: إن الاختبارات حكم حين التصحيح فإن المعلم الذي يقدر درجات أجوبة الطلبة، ويقدر درجات سلوكهم هو حاكم بينهم لأن أجوبتهم بين يديه بمنزلة حجج الخصوم بين يدي القاضي، فإذا أعطى طالبا درجات أكثر مما يستحق فمعناه أنه حكم له بالفضل على غيره مع قصوره، وهذا جور في الحكم، وإذا كان لا يرضى أن يقدم على ولده من هو دونه فكيف يرضى لنفسه أن يقدم على أولاد الناس من هو دونهم. إن من الأساتذة من لا يتقي الله تعالى في تقدير درجات الطلبة فيعطي أحدهم ما لا يستحق، إما لأنه ابن صديقه أو قريبه أو ابن شخص ذي شرف أو مال أو رئاسة، ويمنع بعض الطلبة ما يستحق إما لعداوة شخصية بينه وبين الطالب أو بينه وبين أبيه أو غير ذلك من الأسباب وهذا كله خلاف العدل الذي أمر الله به ورسوله فإقامة العدل واجبة بكل حال على من تحب ومن لا تحب، فمن استحق شيئا وجب إعطاؤه إياه ومن لا يستحق شيئا وجب حرمانه منه. أرسل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبد الله بن رواحة إلى اليهود في خيبر ليخرص عليهم الثمار والزروع ويضمنهم ما للمسلمين منها، فأراد اليهود أن يعطوه رشوة فقال رضي الله عنه منكرا عليهم تطعموني السحت والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلى، يعني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولأنتم أبغض إليّ من عدتكم من القردة والخنازير ولا يحملني بغضي لكم وحبي إياه أن لا أعدل عليكم، فقالوا بهذا قامت السماوات والأرض. تأملوا رحمكم الله هذا الكلام العظيم من عبد الله بن رواحة رضي الله عنه كان يحب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعظم من محبة أي إنسان، ويبغض اليهود أشد من بغض القردة والخنازير، حب بالغ للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبغض شديد لليهود يصرح بذلك رضي الله عنه لليهود ثم يقول لهم لا يحملني بغضي لكم وحبي إياه أن لا أعدل عليكم رضي الله عنك وعن جميع الصحابة.

إن العدل أيها الإخوة لا يجوز أن يضيع بين عاطفة الحب

<<  <  ج: ص:  >  >>