لم يحسن إليهم بالتربية فلم يحسنوا إليه بالبر جزاء وفاقا ففاته نفعهم في الدنيا والآخرة، وأصبح من الخاسرين وليكونن من النادمين {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}[الزمر: ١٥]
لقد ضل أقوام اعتنوا بتنمية أموالهم ورعايتها وصيانتها وحفظها فأشغلوا أفكارهم وأبدانهم وانشغلوا بها عن راحتهم ومنامهم ثم نسوا أهلهم وأولادهم وما هي قيمة هذه الأموال بالنسبة للأهل والأولاد أليس من الأجدر بهؤلاء أن يخصصوا شيئا من قواهم الفكرية والجسمية لتربية أهلهم وأولادهم، حتى يكونوا بذلك شاكرين لنعمة الله ممتثلين لأمره حيث يقول جل وعلا:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم: ٦] لقد جعل الله لكم الولاية، وحملكم مسئولية الأهل، أمركم بأن تقوا أنفسكم وأهليكم تلك النار المزعجة، لم يأمركم أن تقوا أنفسكم فحسب بل أنفسكم وأهليكم، ومن عجب أن هؤلاء المضيعين لأمر الله في حق أولادهم وأهليهم لو أصابت نار الدنيا طرف من ولده أو كادت، لسعى بكل ما يستطيع لدفعها وهرع إلى كل طبيب للشفاء من حرقها، أما نار الآخرة فلا يحاول أن يخلص أولاده وأهله منها.
أيها الناس: إن على كل واحد منا أن يراقب أهله وأولاده في حركاتهم وسكناتهم، في ذهابهم وإيابهم في أصحابهم وأخلائهم، حتى يكون على بصيرة من أمرهم، ويقين في اتجاهاتهم وسيرهم، فيقر ما يراه من ذلك صالحا وينكر ما يراه فاسدا ويكلمهم بصراحة ويأخذ منهم ويرد عليهم ولا يغضب فيجفوهم، ويعرض عنهم فإن ذلك يزيد من البلاء والفساد.
إن الإنسان إذا لم يقم على مراقبة أهله وأولاده وتربيتهم تربية صالحة فمن الذي يقوم عليها؟ هل يقوم عليها أباعد الناس ومن لا صلة له فيهم، أو يترك هؤلاء الأولاد والأغصان الغضة تعصف بها رياح الأفكار المضللة، والاتجاهات المنحرفة والأخلاق الهدامة، فينشأ من هؤلاء جيل فاسد لا يرعى الله ولا للناس حرمة ولا حقوقا جيل فوضوي متهور لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا متحررا من كل رق إلا من رق الشيطان، منطلقا من كل قيد إلا من قيد الشهوة والطغيان، نعم لا بد أن تكون هذه هي النتيجة إلا أن يشاء الله. إن بعض