للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجوافهم عطشا ثم انصرف بهم إلى النار وهم يطمعون في الشراب فلا يجدون إلا النار يلقون فيها: {إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ} [الملك: ٧] قد ملأها الله غيظا وحنقا عليهم: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} [الملك: ٨] يلقون فيها أفواجا يقابلون بالتقريع والتوبيخ: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ - قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ - وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ - فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: ٨ - ١١] هذا ما يقابلون به عند دخولهم النار توبيخ وتقريع وإهانة وتنديم فتتقطع قلوبهم أسفا وتذوب أكبادهم كمدا وحزنا ولكن لا ينفعهم ذلك فإذا دخلوها فما أعظم عذابهم وما أشد عقابهم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر: ١٦] طعامهم الزقوم وهو شجر خبيث مر الطعم نتن الريح كريه المنظر يتزقمونه تزقما لكراهته وقبحه ولكن يلجئون إلى ذلك لشدة جوعهم فلا يسمنهم ولا يغني من جوع. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال اتقوا الله حق تقاته فلو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معيشتهم» (رواه النسائي والترمذي وقال حسن صحيح) فإذا ملئوا بطونهم من هذا الطعام الخبيث الذي لا يسمن ولا يغني من جوع التهبت أكبادهم عطشا فلا يهيأ لهم الشراب وإنهم ليستغيثون: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ} [الكهف: ٢٩] وهو الرصاص المذاب {يَشْوِي الْوُجُوهَ} [الكهف: ٢٩] حتى تتساقط لحومها {بِئْسَ الشَّرَابُ} [الكهف: ٢٩] يشربونه على كره واضطرار شرب الهيم وهي الإبل العطاش التي لا تروى من الماء فإذا سقط في أجوافهم قطع أمعاءهم هذا شرابهم كالمهل في حرارته وكالصديد في نتنه وخبثه قال الله تعالى: {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ - مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ - يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} [إبراهيم: ١٥ - ١٧] أما لباسهم فلباس الشر والعار {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} [الحج: ١٩] على قدر أبدانهم لا تقيهم حر جهنم ولكن تزيدها اشتعالا فيها وحرارة {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} [إبراهيم: ٥٠] في عذاب مستمر دائم {لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف: ٧٥] {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: ٥٦] وكلما خبت نارها زادها الله سعيرا

<<  <  ج: ص:  >  >>