وسلم «لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها» وهذا كلام الصادق المصدوق إن موضع العصا في الجنة خير من الدنيا كلها من أولها إلى آخرها بكل ما فيها من نعيم وترف إذا كان هذا خيرا من الدنيا كلها فكيف بما أدركت منها من الزمن القليل وإذا كان موضع السوط خيرا من الدنيا كلها فكيف بمنازل أدنى منزلة فيها مسيرة ألفي عام يرى أقصاها كما يرى أدناها.
أيها الناس: إن من العجب أن يؤثر أقوام الحياة الدنيا على الآخرة والآخرة خير وأبقى يؤثرونها على الآخرة فيعملون لها ويدعون عمل الآخرة يحرصون على تحصيل الدنيا وإن فوتوا ما أوجب الله عليهم ينغمسون في شهواتهم وسهواتهم وينسون شكر من أنعم بها عليهم علامة هؤلاء أنهم يتكاسلون عن الصلوات ويتثاقلون ذكر الله ويخونون في الأمانات ويغشون في المعاملات ويكذبون في المقالات ولا يوفون بالعهود ولا يبرون الوالدين ولا يصلون الأقارب.
أيها الناس: إن من آثر الحياة الآخرة على الدنيا حصل له نعيم الآخرة والدنيا لأن عمل الآخرة يسير على من يسره الله عليه ولا يفوت من الدنيا شيئا فإن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه والله سبحانه وتعالى يقول: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[النحل: ٩٧] قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ}[الشورى: ٢٠] أما من آثر الحياة الدنيا على الآخرة فإنه قد يؤتى من الدنيا ولكن ليس له في الآخرة من نصيب: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ - أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[هود: ١٥ - ١٦]
اللهم اجعلنا ممن آثروا الآخرة على الدنيا وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.