نعما - يعني عدد هذه الأشجار إبلا- لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا. وكان يؤثر على نفسه فيعطي العطاء ويمضي عليه الشهر والشهران لا يوقد في بيته نار. أهديت إليه شملة فلبسها وهو محتاج إليها فسأله إياها رجل فأعطاه إياها فلامه الناس فقالوا كان محتاجا إليها وقد علمت أنه لا يرد سائلا فقال إنما سألتها لتكون كفني. وكان كرمه صلى الله عليه وسلم في محله ينفق المال لله وفي الله إما لفقير أو محتاج أو في سبيل الله أو تأليفا على الإسلام أو تشريعا للأمة.
وفي الشجاعة كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس وأمضاهم عزما وإقداما كان الناس يفرون وهو ثابت قال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه لما التقى المسلمون والكفار يعني في حنين وولى المسلمون مدبرين طفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته نحو الكفار وأنا آخذ بلجامها أكفها إرادة أن لا تسرع وكان يقول حينئذ «أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب» وقال علي رضي الله عنه كنا إذا اشتد البأس واحمرت الحدق اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه. قال أنس رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس لقد فزع أهل المدينة ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا قد سبقهم إلى الصوت واستبرأ الخبر على فرس لأبي طلحة عري والسيف في عنقه وهو يقول «لن تراعوا» ومع هذه الشجاعة العظيمة كان لطيفا رحيما فلم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا في الأسواق ولا يجزئ بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح قال أنس خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف ولا لشيء صنعته لم صنعته ولا لشيء تركته لما تركته. وكان يمازح أصحابه ويخالطهم ويحادثهم ويداعب صبيانهم ويضعهم في حجره وربما بال الصبي في حجره فلا يعنف. وكان يجيب دعوة الحر والعبد والغني والفقير ويعود المرضى في أقصى المدينة ويقبل عذر المعتذر وكان يسمع بكاء الصبي فيسرع في الصلاة مخافة أن تفتن أمه وكان يحمل ابنة بنته وهو يصلي بالناس إذا قام حملها وإذا سجد وضعها وجاء الحسن والحسين ورسول الله يخطب الناس فجعلا يمشيان ويعثران فنزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ثم قال «صدق الله ورسوله: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}[التغابن: ١٥] نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما» . قال الحسين بن علي رضي الله عنهما