للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعلوم أن ذلك كله لو كان بحق، فلا قود، ولا وفاء فيه. ولا يجوز أن يُظَنَّ أن ذلك القول منه - صلى الله عليه وسلم - تخييل، لمجرد التعليم، لأن التخييل يؤدي إلى اعتقاد خلاف الحق.

وقد نوقشت هذه الأدلة وأمثالها مناقشات طويلة، حفلت بها كتب التفسير، وكتب شروح الحديث، والشمائل، والخصائص، وكتب العقائد، وكتب الأصول. وقد أخذت هذه المناقشات من علماء طوائف الملة جهوداً كبيرة. وقد اعتنى بها الرازي في كتابه عن العصمة، وعياض في الشفاء (١)، والعضد في المواقف (٢)، وغيرهم، واستعرضوا الآيات والأحاديث الدالة على إمكان وقوع الذنوب من الأنبياء، والآيات والأحاديث الدالّة على أنها وقعت فعلاً. ثم شرعوا في تأويلها وبيان احتمالات يمكن صرف الكلام إليها. ووفِّقوا في بعض ذلك، ولكن كان كثير من تأويلهم متكلّفاً بعيداً، يغلب عند القارئ لكتاب الله أنه لم يُرَد أصلاً، وأنه لو أُريد لما كان الكتاب والسنة بياناً، بل كانا يكونان تعمية عن الحقّ، وإيهاماً لخلافه.

ومن أمثلة ذلك ما قال الرازي في قوله تعالى: {وعصى آدم ربه فغوى} عصى بكونه تاركاً للمندوب.

وفي إخراج آدم من الجنة بسبب معصيته قال: ليس في الآية إلا أنه أُخرج من الجنة عند إقدامه على هذا الفعل، أو لأجل إقدامه على هذا الفعل، وذلك لا يدل على أن ذلك الإخراج كان على سبيل التنكيل.

وقال في قصة قتل موسى القبطي، وقوله: {هذا من عمل الشيطان}، قال: يحتمل أن المراد: عمل المقتول من عمل الشيطان. وفي قول موسى: {رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له} اغفر لي: أي اقبل مني هذه الطاعة.

وقال في قول هارون لأخيه: {لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي} أخذ برأس


(١) ٢/ ١٤٩ - ١٦٩
(٢) ٨/ ٢٦٨ - ٢٨٠

<<  <  ج: ص:  >  >>