للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم} ولو كان الأمر مجرد خطأ في الاجتهاد المأذون فيه، لما استحق المجتهد العقوبة، لأن الأدلة الشرعية قد قررت أن المجتهد معذور، بل هو مثاب على اجتهاده.

ولا يعني قوله تعالى: {فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً} نسخ آية تحريم الأسر قبل الإثخان، بل هي باقية ثابتة، تؤيّدها العلوم العسكرية، واستقراء الوقائع التاريخية المعلومة عند نشأة الدول الجديدة. ولكن الذي وقع هو تسويغ التعاقد الدولي الذي تمّ مع أهل مكة. لأن العقد على المفاداة كان قد وقع، وكان في إلغائه ضرر كبير يلحق سمعة الدولة الإسلامية، وينفِّر عنها المقبلين عليها، ويمكّن للدعاية المعادية من التأثير على أهلها (١).

وقد احتجّ مانع صدور الخطأ عنه - صلى الله عليه وسلم - بأمور:

الأول: أن اجتهاد أهل الإجماع معصوم من الخطأ، فاجتهاد النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى بالعصمة من الخطأ.

وأجيب عن هذا بأن اجتهاده - صلى الله عليه وسلم - أولى بالصواب من اجتهاد كل واحد من أهل الإجماع على انفراده. ذكره الرازي الجصاص (٢).

وأجيب أيضاً، بأنه لا مانع من أن تختص الأمة برتبة بسبب اتباعها لنبيها، وله - صلى الله عليه وسلم - من الفضائل من النبوّة وغيرها، وأصل العصمة، ما يرجح به على الأمة. ونظّروا لذلك بالإمام الأكبر، لا يلزم أن يكون له رتبة القضاء، وإن كانت رتبة القضاء مستفادة منه، ولا يعود ذلك عليه بنقص أو انحطاط رتبة.

وإنما جاز وقوع الخطأ منه، لأجل مصلحة تشريع الاجتهاد، والتشاور،


(١) هذا المعنى الذي أخذنا به في هذه الواقعة، وجدنا الشيخ عبد الرحمن الجزيري قد أخذ به في مقال له بمجلة الأزهر مجلد سنة ١٣٥٦ ص ٦٨٠. وقال السيد رشيد رضا "توجه العتاب إليهم، بعد بيان سنة النبيين في المسألة، الدال بالإيماء على شمول الإنكار والعتاب له صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله". (تفسير النار ١٠/ ٨٦).
(٢) أصول الجصاص ٢٢٠ ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>