للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثال آخر: قضاؤه - صلى الله عليه وسلم - لعمرة الحديبية، التي أحصر عنها. فقد عاد في السنة التالية واعتمر، وسميت عمرة القضاء. فيدل على أن عمرة الحديبية كانت واجبة. والمراد أنها وجبت بالدخول فيها.

والصواب أن هذا النوع ليس دليلاً على وجوب المقضي، لأن دعواهم أن غير الواجب لا يقضى، دعوى مردودة، لما ثبت في الصحيحين عن أم سلمة رضي الله عنها أنه - صلى الله عليه وسلم - قضى الركعتين اللتين بعد الظهر، قضاهما بعد العصر (١).

وعند الجماعة، إلاّ البخاري، عنه - صلى الله عليه وسلم -: "من نام عن حزبه من الليل، أو عن شيء منه، فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كتب له كأنما قرأه من الليل". وهذا حث على قضاء ما رتّبه المسلم لنفسه من الأذكار. فالصلاة والصوم ونحوهما أولى. والذي عند الشافعية استحباب قضاء السنن الرواتب.

ولو قيل في هذه الأمارة: ما وجب قضاؤه واجب لكان صواباً. ومنه وجوب قضاء حج التطوع، يدل على أنه وجب بالشروع. وقد أشار إلى ذلك السرخسي (٢).

التاسع: ذكره الزركشي في البحر المحيط: أن يداوم - صلى الله عليه وسلم - على الفعل مع عدم ما يدل على عدم الوجوب. قال: "لأنه لو كان غير واجب لأخلَّ به" (٣) وذكره أيضاً صاحب مسلم الثبوت وصاحب تيسير التحرير (٤).

وقد وضّح ذلك ابن تيمية حين قال في الاستدلال على وجوب الطمأنينة في الصلاة: "إن مداومته - صلى الله عليه وسلم - على ذلك في كل صلاة كل يوم، مع كثرة الصلوات، من أقوى الأدلة على وجوب ذلك، إذ لو كان غير واجب لتركه ولو مرة واحدة ليبيّن الجواز، أو لبيّن جواز تركه بقوله، فلما لم يبين -لا بقوله ولا بفعله- جواز ترك ذلك، كان ذلك دليلاً على وجوبه" (٥).


(١) نيل الأوطار ٣/ ٢٩، ٣٠ وفيه أن عند أحمد في رواية أنه - صلى الله عليه وسلم - سئل: انقضيهما إذا فاتتا، قال: "لا". قال الشوكاني: قال البيهقي: وهي رواية ضعيفة.
(٢) أصول السرخسي ١/ ١١٦
(٣) ق ٢٥٢ أ
(٤) ٣/ ١٢٧
(٥) القواعد النورانية الفقهية ص٥٢

<<  <  ج: ص:  >  >>