للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأنها عامة في كل فعل، بل هي مطلقة. وتتحقق الآية فيمن اقتدى به - صلى الله عليه وسلم - في بعض الأمور دون غيرها (١).

وقد أجاب الآمدي (٢) بأن تعيين المتأسّي فيه ممتنع، لعدم دلالة اللفظ عليه. والقول بإبهام المتأسّي فيه ممتنع لأنه على خلاف الغالب من خطاب الشرع، فلم يبق إلاّ العموم.

وهذا الجواب متهافت كما لا يخفى. إذ القول بتعيّنه في ما فيه السياق ممكن ومقبول، كما قال ابن دقيق العيد: "إن السياق طريقٌ لتخصيص العمومات وبيان المحتملات" (٣).

وجواب أبي الحسين البصري (٤) أصحّ، وهو أنه لا يطلق في اللغة على الإنسان أنه أسوة لزيد إذا كان إنما ينبغي لزيد أن يتبعه في فعل واحد، وإنما يطلق ذلك إذا كان ذلك الإنسان قدوة لزيد، يهتدي به في أموره كلّها. إلا ما خصّه الدليل.

ومما يؤكد العموم أيضاً ما ورد في الحديث، مما يدلّ على الصواب من تفسير الآية، أنهم كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فناموا حتى فاتتهم صلاة الفجر. فصلاّها بهم، وذلك بعد ارتفاع الشمس. فتهامس بعضهم إلى بعض "ما كفارة ما صنعنا اليوم؟ " فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أما لكم فيّ أسوة؟ " (٥) وذلك أنه اكتفى بقضاء الصلاة. وكانت تلك كفارة ما حصل منهم. وهذا حكم شرعي حاصل بالاقتداء بالفعل.


(١) تبنى هذه الشبهة الرازي في المحصول (ق ٥٢ أ)
(٢) الأحكام ٢/ ٢٦٨
(٣) يرى ابن دقيق العيد أن السياق أحد مخصصات العموم، ومبينات المراد بالمجملات. انظر كتابه: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام ٢/ ١٩، ٢٣٢، وفرق بين ذلك وبين قاعدة (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) وبين أن الأصوليين لم يذكروا قاعدة التخصيص بالسياق، إلا بعض المتأخرين ممن أدرك هو أصحابهم.
(٤) المعتمد ٣/ ٣٨٤
(٥) رواه مسلم ٥/ ١٨٦

<<  <  ج: ص:  >  >>