للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسيأتي في الاستدلال بالإجماع، ما يدلّ على أن الصحابة كانوا يحتجون بكونه - صلى الله عليه وسلم - أسوة، على أحكام شرعية مأخوذة من الأفعال. فهذا يفسّر معنى الأسوة في الآية.

وقال الصنعاني: "أما ما قيل من أن {أسوة} نكرة في الإثبات لا عموم لها، وإنما هي خاصة في ما نزلت فيه، فغير صحيح، لأن قوله: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} هو في المعنى جواب لقوله: {لمن كان يرجو الله واليوم الآخر}. وهو شرط (١)، والشرط من ألفاظ العموم" (٢). اهـ.

وحتى لو قلنا بأنّ الأسوة هي القدوة في أمور معينة دون غيرها، فقد ثبت مطلوبنا هنا وهو أن الأفعال النبوية، من حيث الجملة، حجة في الشريعة، لأن قولنا: "من حيث الجملة" نعني به: "في بعضها دون بعض".

وسيأتي في الفصل التالي تمييز ما هو منها حجة، مما لا يحتج به.

الآية الثانية: قوله تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} وشبيه بها قوله تعالى: {الذين يتبعون الرسول النبيّ الأميّ ... } إلى قوله: { ... واتبعوه لعلكم تهتدون} (٣).

فقد أمرنا الله عزّ وجل باتباع نبيه - صلى الله عليه وسلم -. والاتباع في اللغة أن يسير الإنسان خلف آخر. والمراد هنا أن نتخذه - صلى الله عليه وسلم - رئيساً وقائداً إلى أعمال الخير والبر نهتدي بهديه.

والاتّباع يكون في الأقوال والأفعال.

فمن استعمال الاتباع في طاعة الأقوال، قوله تعالى: {اتبع ما أوحي إليك من ربك} (٤)، وقوله: {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} (٥).


(١) هداية العقول.
(٢) أي في المعنى. أما في اللفظ فـ (من) موصول. والمعنى (من كان يرجو الله واليوم الآخر فله في رسول الله أسوة حسنة).
(٣) سورة الأعراف: آية ١٥٧، ١٥٨
(٤) سورة الأنعام: آية ١٠٦
(٥) سورة الزمر: آية ١٨

<<  <  ج: ص:  >  >>