للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وضع يده اليمنى تحت خده (١)، وينام على جنبه الأيمن. وكان يأكل بثلاث أصابع (٢).

ومنشأ التردّد فيه قاعدة (تعارض الأصل والظاهر)، إذ الأصل عدم التشريع، وبراءة الذمم من التكاليف الشرعية، وهذا يقتضي في هذا النوع أن لا يكون واجباً ولا مستحباً. والظاهر أن فعله لما واظب عليه على طريقة معينة أنه شرع يتبع، لأن الغالب من أفعاله - صلى الله عليه وسلم - التشريع، إذ هو - صلى الله عليه وسلم - مبعوث لبيان الشرعيات (٣).

وقد نقل الزركشي عن أبي إسحاق في ذلك وجهين للشافعية، أحدهما: أنه سنة متبعة، والثاني: أنه لا يتبع فيه إلاّ بدليل. ونقل عنه أيضاً من موضع آخر من كتابه أن الوجه الثاني لهم أنه يتوقف فيه لاحتمال الخصوصية (٤).

وقد مال السبكي في القواعد إلى القول بالاستحباب.

والمشهور عند المحدّثين، وهو المتداوَل في كتبهم وشروحهم للحديث، أن ذلك الفعل يدل على الندب، ويطلب التأسي به - صلى الله عليه وسلم - فيه.

والأرجح عندي القول الثاني، وهو أنه دالّ على الإباحة لا أكثر. ولا تنتهض المواظبة والتكرار دليلاً على كون الفعل مقصوداً به التشريع، إذ كثيراً ما يقع من الإنسان أن يفعل الأفعال التي من نوع واحد بطريقة واحدة، بل إن ذلك هو الأغلب على الناس، لأن في ذلك اقتصاداً في المجهود الفكري، فالشيء إذا فعله الإنسان على الطريقة التي جرى عليها في مثله، أمكنه فعله دون إعمال للفكر فيه، وممكن الاستفادة من الفكر في أثناء ذلك الفعل في أشياء أخرى. فلما كان هذا من طبيعة البشر، فإن ما واظب عليه يُلْحَق بما لم يواظب عليه، ولا يستفاد من كل ذلك حكمٌ أعلى من الإباحة.


(١) أحمد والترمذي والنسائي (الفتح الكبير).
(٢) مسلم وأحمد وأبو داود (الفتح الكبير).
(٣) الزركشي: البحر المحيط ٢/ ٢٤٨ أ.
(٤) البحر المحيط ٢/ ٢٤٨ أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>