للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدرجة الثالثة: أن يقع منه الفعل الجبلّيّ لا على سبيل المواظبة والتكرار. ومثاله أن يكون - صلى الله عليه وسلم - قد سار في أيمن الطريق أو أيسرها. أو جلس تحت شجرة معينة أو نحو ذلك. فهذا أضعف درجات الفعل الجبلي الاختياري. ودلالته على الإباحة واضحة. أما الندب فالقول به هنا أضعف منه فيما واظب عليه - صلى الله عليه وسلم -.

وقد نُقِل عن ابن عمر رضي الله عنهما، ما يدل على أنه كان يَتَتَبّع آثار النبي - صلى الله عليه وسلم -، والمواضع التي سار فيها أو جلس فيها، ذكر منها ابن سعد كاتب الواقديّ في الطبقات طرفاً (١). ومما يرويه المحدّثون من ذلك أنه رضي الله عنه جرّ خطام ناقته حتى أبركها في الموضع الذي بركت فيه ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسار براحلته في جانب من الطريق سارت فيه ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال: "لعلّ خفاً يقع على خفّ" (٢). ونزل تحت شجرة كان نزل تحتها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وصحث في أصلها الماء. وبال في موضع بال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقالت عائشة: "ما كان أحدٌ يتبع آثار النبي - صلى الله عليه وسلم - في منازله، كما كان يتبعها ابن عمر" (٣).

وشبيه بذلك ما نُقِل عنه أنه كان يلبس النِّعال السبتية اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم -.

وكان ابن عمر يستجمر بالألُوَّة غير مُطَرَّة، وبكافور يطرحه مع الألُوّة، ثم قال: هكذا كان يستجمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٤).

وهذا النقلان أشبه بالنوع الذي قبل هذا، وهو ما حصل على سبيل التكرار والمواظبة.

وابن تيمية يفرّق بين نوعين من المتابعة في هذا: المتابعة في صورة الفعل، والمتابعة في مكان الفعل، فيقرّ بالخلاف في الأولى. وأما الثانية فهي عنده ممنوعة


(١) طبقات ابن سعد، بيروت، دار صادر، ١٣٧٧ هـ ٤/ ١٤٢ - ١٨٨.
(٢) نسبه علي الطنطاوي الى حلية الأولياء ١/ ٣١٠ ذكره في كتابه (سيرة عمر بن الخطاب وأخبار عبد الله بن عمر) ط بيروت، دار الفكر، ١٣٨٠ ص ٤٧٠
(٣) طبقات ابن سعد ٤/ ١٢٥. وانظر البداية والنهاية ٥/ ١٧٩
(٤) مسلم ٤/ ١٧٦٦ والألوة العود الهندي المعروف، وتطرية العود خلطه بالعنبر أو غيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>