للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدرجة الأولى: أن الفعل الجبلي يُلحظ فيه أحياناً أنه مقصود في العبادة ليكون جزءاً منها. وقد قيل بالوجوب في ذلك أحياناً ولو لم يرد فيه قول آخر. ومن ذلك الجلوس بين الخطبتين، قال الشافعي بوجوبه، وقال غيره من الأئمة بأنه مستحبّ، ونُقِل عن بعض الصحابة أنهم خطبوا فلم يجلسوا حتى الفراغ (١).

وكذلك القيام في الخطبتين، واظب عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -. فقيل بوجوبه. وهو أحد القولين في مذهب أحمد. والقول الآخر أنه لا يجب، وهو مذهب أبي حنيفة (٢).

وعندي أن الوجوب هنا ليس متلقّى من مجرد الفعل، بل من كونه فعلاً بيانيّاً في اعتقاد القائل بالوجوب، أي اعتقاد أن الفعل مقصود به بيان صفة خطبة الجمعة المأمور بها في سورة الجمعة، فهذا القصد هو سبب القول بالوجوب. إذ الفعل البياني يمكن أن يُدَلّ به على الوجوب، كما يأتي.

الدرجة الثانية: ما سبيله الاستحباب من ذلك، وهو ما وضح فيه أمر التعبّد، وذلك إن عُلم، أو غَلَب على الظن بأمارة، أن المقصود التعبّد به، كالقيام في الخطبتين والجلوس بينهما كما تقدم، وصلاته - صلى الله عليه وسلم - داخل الكعبة، وإفطاره على رطباتٍ وتراً، ونحو ذلك.

ومن هذا النوع عند الجمهور تحويل النبي - صلى الله عليه وسلم - رداءه في دعاء الاستسقاء، لم يقل أبو حنيفة بمشروعيته. وقال من احتج له: إنما قلب - صلى الله عليه وسلم - رداءه ليكون أثبت على عاتقه عند رفع اليدين لا الدعاء، فهو عنده جبليّ. وأجيب بأن تثبيت الرداء لا يدعو لقلبه، فالظاهر أنه قلبه قصداً تعبّداً (٣).

الدرجة الثالثة: ما حصل التردّد فيه بين أن يكون مقصوداً به التعبّد أو لا. فهذا الذي فيه الخلاف.


(١) ابن قدامة: المغني ٢/ ٣٠٦.
(٢) ابن قدامة: المغني ٢/ ٣٠٢، ٣٠٣
(٣) ابن دقيق العيد. الأحكام ١/ ٣٤٢

<<  <  ج: ص:  >  >>