للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم نجد أحداً من قدماء الأصوليين، صرّح بمثل هذا المذهب.

ولكنه لازم لمن جعل جميع أفعاله - صلى الله عليه وسلم - حجة حتى في الطبيات والزراعة ونحوها. وهو لازم أيضاً لمن صحح منهم أن تقريره - صلى الله عليه وسلم - لمخبر عن أمر دنيويّ يدل على صحة ذلك الخبر، كما فعل السبكي وأيّده المحلي والبناني (١).

والذين عند حصرهم أقسام الأفعال النبوية، لم يذكروا الفعل النبوي في الأمور الدنيوية، كقسم من أفعاله لا دلالة فيه، يظهر أنهم يقولون بهذا القول، إذ يلزمهم أن يكون فعله - صلى الله عليه وسلم - في الطب مثلاً دليلاً شرعياً. من هؤلاء مثلاً أبو شامة، والسبكي، وابن الهمام، وغيرهم.

وابن القيم في كتابه (الطب النبويّ) (٢) يذهب إلى حُجيّة أفعاله - صلى الله عليه وسلم - في الطب، فيلزمه القول بهذا المذهب.

ويظهر أن هذه طريقة المحدّثين، فإنا نجد عند البخاريّ مثلاً هذه الأبواب، ولم يذكر فيها من الأحاديث إلا أحاديث فعليّة: (باب السعوط) (باب أي ساعة يحتجم) (باب الحجامة في السفر) (باب الحجامة على الرأس) (باب الحجامة من الشقيقة والصداع) (٣) وعند غيره من المحدثين، كأصحاب السنن، تبويبات مشابهة. ويوافقهم الشراح غالباً على ذلك، فيذكرون استحباب أدوية معيّنة لأمراض معيّنة، بناء على ما ورد في ذلك من الأفعال النبويّة.

المذهب الثاني: أنه لا يلزم أن يكون اعتقاده في أمور الدنيا مطابقاً للواقع، بل قد يقع الخطأ في ذلك الاعتقاد قليلاً أو كثيراً. بل قد يصيب غيره حيث يخطئ هو - صلى الله عليه وسلم -.

قالوا: وليس في ذلك حطٌّ من منصبه العظيم الذي أكرمه الله به، لأن منصب النبوّة منصبٌّ على العلم بالأمور الدينية، من الاعتقاد في الله وملائكته


(١) انظر جمع الجوامع شرحه وحاشيته ٢/ ١٢٧، ١٢٨ وأيضاً ٢/ ٩٥
(٢) هو بعض كتابه المشهور (زاد المعاد في هدي خير العباد) وقد طبع أيضاً مفرداً.
(٣) صحيح البخاري ١٠/ ١٤٥ - ١٥٢

<<  <  ج: ص:  >  >>