للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكتبه ورسله واليوم الآخر، ومن الأمور الشرعية. أما إذا اعتقد أن فلاناً مظلوم فإذا هو ظالم، أو أن دواء معيّناً يشفي من مرض معيّن، فإذا هو لا يشفى منه، أو أن تدبيراً زراعياً أو تجارياً أو صناعياً يؤدي إلى هدف معيّن، فإذا هو لا يؤدّي إليه، أو يؤدي إلى عكسه، أن تدبيراً عسكرياً أو إدارياً سينتج مصلحة معيّنة، أو يدفع ضرراً معيّناً، فإذا هو لا يفعل، فإن ذلك الاعتقاد لا دخل له بالنبوة، بل هو يعتقده من حيث هو إنسان، له تجاربه الشخصية، وتأثّراته بما سبق من الحوادث، وما سمع أو رأى من غيره، مما أدّى إلى نتائج معيّنة، فكل ذلك يؤدّي إلى أن يعتقد كما يعتقد غيره من البشر، ثم قد ينكشف الغطاء فإذا الأمر على خلاف ما ظنّ أو اعتقد.

وقد صرّح بأصل هذا المذهب، دون تفاصيله، القاضي عيّاض (١) والقاضي عبد الجبار الهمداني المعزلي (٢) والشيخ محمد أبو زهرة (٣). وظاهر الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - كغيره من الناس في ذلك، بل فيه التصريح بأن أصحاب الخبرة في صنائعهم وتجاراتهم وزرعاتهم قد يكونون أعلم منه بدقائقها. إلا أن القاضي عيّاضاً أوجب أن يكون الخطأ في ذلك نادراً لا كثيراً يؤذن بالبله والغفلة (٤).

ويُحتَجّ لهذا المذهب بأدلة، منها:

أولاً: حديث تأبير النخل. ففي صحيح مسلم عن رافع بن خديج، أنه قال: قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، فإذا هم يأبرون النخل. فقال: "ما تصنعون؟ " قالوا: كنا نصنعه. قال: "لعلكم لو لم تفعلوا كان خيراً" فتركوه. فنفضت. فذكروا ذلك له، فقال: "إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر".


(١) الشفاء ٢/ ١٧٨
(٢) المغني ١٧/ ٢٥٦ حيث جعل من شرط الاقتداء بالفعل "أن يكون مما له مدخل في الشرع ولا يكون مما يفعل للمنافع والمضار".
(٣) كتابه: تاريخ المذاهب الفقهية ص ١٠
(٤) الشفاء ٢/ ١٨٠

<<  <  ج: ص:  >  >>