للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بذلك، وإنما الدليل الذي يدل على صحة القاعدة قول الشارع، أو الإقرار، أو عمل الصحابة، ولم يتحقق شيء من ذلك عند الجويني ومن تبعه.

والقول الثاني: ما قاله أبو شامة (١) فإنه يرى أن الاقتداء به - صلى الله عليه وسلم - ممنوع في ما أبيح له خاصة، لدلالة الخصوصية على امتناع ذلك في حق غيره.

وأن الاقتداء به - صلى الله عليه وسلم - على سبيل الاستحباب ثابت فيما فعله على سبيل الوجوب، وفي ترك ما تركه على سبيل الحرمة.

فيندب لنا على هذا القول: فعل ما فعله - صلى الله عليه وسلم - مما اختصّ به من الواجبات، ويندب لنا التنزه عما تركه مما اختصّ به من المحرمات.

فخصوصيته - صلى الله عليه وسلم -، على هذا القول، إنما هي في تحتم الفعل أو الترك بالنسبة إليه، والمشاركة بيننا وبينه هي في أصل مطلوبية الفعل أو الترك المقتضية للاستحباب أو الكراهة، وتمتنع المشاركة في ما زاد على ذلك وهو تحتّم الفعل أو الترك، لدلالة الخصوصية على هذا الامتناع.

وقال أبو شامة: إن ما ذكره "لا نزاع فيه لمن فهم الفقه وقواعده، ومارس أدلة الشرع ومعاقده ومعانيه".

وقد نقل الشوكاني بعض كلام أبي شامة، ووافقه على ما ذهب إليه (٢). ونقله قبله الزركشي في البحر وأقرَّه.

إلاّ أن الشوكاني قيّد هذه المسألة بأنه إذا علم بدليل قوي الحكم في حقنا فهو المعتمد، فإن عارض القول ما يستفاد من هذه القاعدة يقدَّم الدليل القولي.

ويفهم من كلام أبي شامة أنه يدلل لقوله بوجهين:

الأول: البناء على القواعد الشرعية. ولم يبيّن القاعدة التي يشير إليها. ولعله يعني أن ما أمر به - صلى الله عليه وسلم - لا بد أن يكون مصلحة، وذلك يعني أنه في حقّنا كذلك


(١) انظر كتابه (المحقق) ق ٥ أ
(٢) إرشاد الفحول ص ٣٥، ٣٦ وفي كلام الشوكاني هنا خفاء، ومآله إلى ما ذكرنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>