للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مصلحة، فيكون مستحباً. وإن ما نهى عنه لا بد أن يكون مفسدة، فيكون في حقنا مكروهاً. وامتنع التحتّم الذي هو الإيجاب والتحريم بدليل الخصوصية.

فإن كان هذا مقصوده، فلا يسلّم له، إذ قد يكون الشيء مصلحة لشخص ولا يكون مصلحة لآخر، كالصوم، هو مصلحة للطاهر، وليس مصلحة للحائض، وكالقصر هو مصلحة للمسافر، وليس مصلحة للمقيم. وهكذا يقال في جانب المفسدة.

الثاني: أنه قد ورد عن الصحابة الاقتداء به - صلى الله عليه وسلم - في الفعل الخاص. ومن ذلك أن ابن عباس ائتم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الليل. وقد امتنع النبي - صلى الله عليه وسلم - من أكل طعام في منزل أبي أيوب الأنصاري، كان فيه ثوم، فقال أبو أيوب: "إني أكره ما تكره" ولم ينكر ذلك عليه، - صلى الله عليه وسلم - (١).

وهذا أيضاً غير مسلّم، أما ائتمام ابن عباس بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الليل، فإن استحباب صلاة الليل معلوم بدلالة الكتاب والسنة القولية كما لا يخفى، فلا يكون دليلاً في المسألة.

وأما قول أبي أيوب: "فإني أكره ما تكره". فهو محمول على أنه للكراهة الطبيعية، لا للكراهة الشرعية.

وبذلك لا يثبت دليل القاعدة، الذي أراد أبو شامة رحمه الله إثباتها له.

إلاّ أننا نرى أن استقراء الخصائص الواجبة والمحرمة (وعددها ما بين خمس وثلاثين عند السيوطي إلى تسع عشرة كما عدَّها الرملي والقرطبي) يُظهر أن هذه القاعدة صادقة على جميع هذه الجزئيات. ما عدا تحريم الكتابة والشعر (٢) عليه - صلى الله عليه وسلم -


(١) رواه مسلم (جامع الأصول ٨/ ٢٨٣)
(٢) من عدهما كذلك السيوطي (الخصائص ٣/ ٢٧١) ونقله عن النووي في الروضة. وقد أغفلهما الرملي.

<<  <  ج: ص:  >  >>