للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديبية بالفسخ فلم يفسخوا، حتى غضب وقال لأم سلمة: أما شعرت أنني أمرتهم بأمر فإذا هم يتردّدون. فأشارت عليه بأن يخرج فينحر ويحلق ولا يكلمهم. فخرج فنحر وحلق. فلما رأوه فعل ذلك نحروا وحلقوا حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً من الغم.

قالوا: فلولا أن الصحابة علموا أن فعله أشدّ استيجاباً لمثله منهم، لما ترددوا في طاعة الأمر، ثم انصاعوا لدلالة الفعل.

والذي نقوله في الجواب: إنهم استجابوا لاجتماع الفعل مع القول، إذ مجموعها أقوى من القول وحده كما لا يخفى.

وجواب آخر أجاب به الآمدي (١): إن ترددهم كان رجاء أن ينزل أمر ينسخ الأمر بالإحلال، فلما حلق هو - صلى الله عليه وسلم - يئسوا من ذلك فحلقوا.

وأجاب بجواب آخر: أن فعله وقع بياناً لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "خذوا عني مناسككم" فوجب من حيث هو بيان.

وهذا الجواب غير مرضي، لأنه إذا اجتمع القول والفعل في البيان وتقدم القول فهو البيان اتفاقاً، كما تقدم. فالبيان هنا هو القول اتفاقاً، والفعل مؤكِّد للبيان وهذا يصحح ما أجبنا به.

هذا إنْ سلّمنا إن هنا ما يحتاج إلى البيان، ولكن الصواب عدم التسليم بذلك، لعدم وجوده أصلاً، لأن آية الإحصار بينة وهي قوله تعالى: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي}. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "خذوا عني مناسككم" كان في حجة الوداع بعد الحديبية بأعوام.

الدليل الخامس: قوله تعالى: {فاتبعوه} فالاتباع له - صلى الله عليه وسلم - واجب بدلالة هذه الآية، والاتباع الامتثال للقول، والإتيان بمثل الفعل.


(١) الإحكام ١/ ٢٦١

<<  <  ج: ص:  >  >>