ذكرنا فيما تقدم من هذا الباب أن الدلالة الرئيسية للأفعال هي الدلالة على أن أحكام أفعالنا مساوية لأحكام أفعاله - صلى الله عليه وسلم - فما وجب عليه وجب علينا، وما ندب له ندب لنا، وما أبيح له أبيح لنا.
ثم بينّا أن ذلك هو من مفهوم الموافقة لفعله - صلى الله عليه وسلم -، أو من القياس بنفي الفارق.
والذي يراد بيانه في هذا الفصل، أن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقع إلا مع التلبّس بأمور مختلفة، فكما أنه وقع ١ - لسبب معين، كذلك ٢ - يقع من فاعله ٣ - وقد يتعدى إلى مفعول، ٤ - ولا بدّ أنه واقع في زمان معين، ومكان معين، ٥ - وعلى هيئة معينة، ٦ - وقد تستعمل فيه آلة وعناصر مادية معينة ٧ - وقد يقارنه أمور تقع معه، ٨ - وقد يقع الفعل مرة أو مرات معلومة أو مجهولة.
فلما قلنا إن استفادة الحكم من فعله - صلى الله عليه وسلم - تقتضي أن نفعل مثل ما فعل، وجوباً أو ندباً أو إباحة، على التفصيل المتقدم بيانه، فهل يعني ذلك أن الأسوة المطلوبة شرعاً تقتضي مماثله فعلنا لفعله - صلى الله عليه وسلم - في هذه الأمور؟.
لم يتعرض أحد من الأصوليين الذين اطلعنا على كلامهم لهذه المسألة بالتفصيل، ونحن نرجو أن نتمكن بعون الله من إيضاح ذلك، مسترشدين بتصريحات وإشارات مجملة، وردت في مواضع متفرقة من كلام القوم.
فنقول: أما أصل الفعل فلا بد من الاتفاق فيه، وإلا فلا تتحقق المماثلة أصلاً، وذلك كصلاة وصلاة، وصوم وصوم، ولا يتم الاستدلال بفعل صلاة على فعل صوم إلا بنوع من القياس عند الاستواء في العلة.