للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأيت بعض المتأخرين من أهل الخلاف خصّص الأعمال بما لا يكون قولاً وأخرج الأقوال من ذلك. وفي هذا عندي بعد.

وينبغي أن يكون لفظ "العمل" يعم جميع أفعال الجوارح.

نعم لو خصّص بذلك لفظ "الفعل" لكان أقرب، فإنهم استعملوهما متقابلين، فقالوا: الأفعال والأقوال. ولا تردّد عندي في أن الحديث يتناول الأقوال أيضاً. اهـ كلامه.

وواضح من كلامه أنه يرى أن (العمل) يشمل القول، وأن (الفعل) مباين للقول، وأن دليله على ذلك استعمال الفعل والقول متقابلين في كلام الفصحاء.

وعندي أن هذا الدليل غير قائم. بل القول هو فعل من بعض الوجوه وخارج عن الفعل من وجه آخر.

وتوضيح ذلك أن القول هو قول من حيث دلالة عبارته على ما دلّت عليه بالوضع أو التجوّز. وسواء كانت دلالته بالمطابقة، أو التضمّن أو الالتزام. وهو فعل من حيث إيقاعه أوْ لا إيقاعه، ومن حيث صفة صدوره عن القائل، ومن حيث تعلُّقُه بما تعلق به.

هذا وإن العمل بمدلول العبارة هو عمل بالقول، أما إيقاع قولٍ آخر مثل القول فهو اقتداء بالقول من حيث هو فعل.

فالقول إنما يطلق على ما يتلفّظ به من حيث مدلول العبارة، لا من جهة أخرى. ومدلول العبارة هو أن الكلام خبر أو أمر أو نهي أو تعجّب أو استفهام أو تمنٌّ أو غير ذلك من هذه المعاني القولية.

لكن القول من حيث إخراجه من حيّز العدم إلى حيّز الوجود هو فعل من الأفعال. وكذلك من حيث تأثيره في ما يؤثر فيه، وتعلّقه بما تعلّق به.

وأقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - يجري فيها على هذا الأسلوب. فهي أفعال من حيث إنه - صلى الله عليه وسلم - أوقعها، فأخرجها إلى حيّز الوجود، ثم قد يكون قالها مرتبطةً بزمان أو مكان، كأذكار رؤية الهلال، ودخول المسجد الحرام، والوقوف بعرفة، وأذكار

<<  <  ج: ص:  >  >>