للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصلاة وغير ذلك ... فتكون من هذه الجهة أفعالاً، ويجري في الاستدلال بها في حقّنا على قانون الأفعال. فما علم أنه - صلى الله عليه وسلم - قاله بياناً لواجب أو امتثالاً له وجب علينا أن نقول مثله، وما قاله بياناً لمستحب أو امتثالاً له فمثله منا مستحب. وإن قاله بياناً لمبيح أو تطبيقاً له فإيقاع مثله منا مباح. وإن لم يكن كذلك فهو فعل مجرّد، نستدل به كما نستدل بسائر الأفعال المجرّدة.

وأما ما تضمنته العبارة من إسناد الخبر إلى المبتدأ، أو الفعل إلى الفاعل، أو الطلب ونحوه، فهي الدلالة القولية. والحكم المستفاد من الجهة القولية إنما يستفاد من هذه الناحية لا غير. فالأمر يدل على الوجوب، والنهي يدل على التحريم وهكذا.

وكمثال على ذلك نذكر حديث صفية زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - معتكفاً، فأتيت أزوره ليلاً. فحدثته، ثم قمت لأنقلب، فقام معي ليقلِبَني، فمرّ رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي - صلى الله عليه وسلم - أسرعا. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - على رِسْلِكما، إنها صفيةُ بنتُ حُيَيّ. فقالا: سبحان الله يا رسول الله! فقال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً" (١) أو قال: "شرّاً".

فقوله: "على رسلكما" طلب للتمهل، ودلالته على ذلك دلالة قولية.

وقوله: "إنها صفية بنت حييّ" إخبار لهما عن المرأة التي معه، وأنها زوجته. فهذا خبر مفهوم من الجهة القولية أيضاً.

ودلالته على جواز زيارة المرأة لزوجها المعتكف دلالة قولية، من القياس بنفي الفارق.

أما دلالته على أنه يندب للإنسان أن يبيِّن في مثل هذا الموقف، إزاحة للتهمة عن نفسه، وانتشالاً لأخيه من مهواة الإثم بسوء الظن، فهي دلالة فعلية، تستفاد من القول من حيث هو فعل كسائر الأفعال، يُجْرى فيه على قانونها في الاستدلال.


(١) متفق عليه (جامع الأصول ١/ ٢٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>