للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأربعة الأخيرة، وإن كان السبب زائلاً، لأن الشرع أثبت الطواف على هذه الصفة. كما تقدم إيضاحه.

ومن هذا النوع عند بعض الفقهاء، ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحرم للحج من بيته بالمدينة، حتى أحرم من الميقات. فلا يدلُّ على أن الإحرام من الميقات أفضل، فهو أقل عملاً. وقد روي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم: "إتمام الحج أن تحرم به من دويرة أهلك" (١).

والراجج أنه إنما ترك الإحرام من المنزل خشية المشقة.

والمسألة خلافية (٢).

ومن هذا النوع عندي أيضاً: تركه - صلى الله عليه وسلم - أن يغطي ركبتيه عندما جلس ودلّى رجليه في الماء (٣). وذلك لما يلحق الأمة من التضييق إذا ألزموا بتغطية الفخذين حتى في حال ملابسة المياه وخوضها. ومن قال إن: "ذلك يدل على أن الفخذ ليست عورة" فليس إطلاقه هكذا مرضيّاً، بل هو في حال معينة اقتضت ذلك. بل الأولى أن يكون هذا الترك تخصيصاً لعموم الأدلة القاضية بأن "الفخذ عورة" (٤).

النوع الرابع: ترك المطلوب خشية من حدوث مفسدة أعظم من بقائه. وهذا من السياسة الشرعية المقررة. ومثاله ما قاله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة: "لولا قومك حديث عهدهم بكفر، لنقضْتُ الكعبة، فجعلت لها بابين، باب يدخل منه الناس وباب يخرجون" (٥).

وفي رواية عند مسلم: "لولا أن قومك حديث عهدهم بجاهلية لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله، ولجعلت بابها إلى الأرض، ولأدخلت فيها الحجر".

وبوّب عليه البخاري: "باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس فيقعوا في أشدَّ منه". ولما زال ذلك السبب، واستقرّ الإسلام، نفّذ


(١) تفسير القرطبي (٢/ ٣٦٥).
(٢) راجع (سبل السلام) للصنعاني في المواقيت وتفسير القرطبي ٢/ ٣٦٦ وغيرهما.
(٣) رواه البخاري ٧/ ٥٣
(٤) حديث: "الفخذ عورة" علقه البخاري عن ثلاثة من الصحابة ورواه مالك وغيره (فتح الباري ط الحلبي ٢/ ٢٤).
(٥) البخاري ١/ ٢٢٤

<<  <  ج: ص:  >  >>