للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما ما قاله ابن رشد من حمله كلام مالك على مقتضى هذه القاعدة، فغير مسلّم. فإنّ مالكاً قال: "قد فتح الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى المسلمين بعده، أفسمعت أن أحداً منهم فعل ذلك؟ -يعني سجود الشكر- إذا جاءك مثل هذا مما قد كان للناس، وجرى على أيديهم، لا يسمع عنهم فيه شيء، فعليك بذلك، لأنه لو كان لذكر، لأنه من أمر الناس الذي قد كان فيهم فهل سمعت أن أحداً منهم سجد؟ " (١).

فقوله: (لو كان لذكر) فلعله إنما يعني: لذكر قولًا أو فعلاً. إذ لو لم يذكر أصلًا لكان شيئاً من الدين قد ذهب وضاع. فلما لم يرد فيه نصّ قوليّ ولا فعليّ، ولا قياس نصّ، فلا يجوز إثباته بمجرد الهوى، لأن العبادات توقيفية. فليس قول مالك منصّباً على ما وردت فيه عمومات قولية، أو ما يمكن أخذ حكمه بطريق القياس أو غيره. وشبيه بقول مالك في هذا، ما قاله الشافعي في الخارج من غير السبيلين: "إنه ليس من الأحداث، لأن الأحداث مستقصاة في الكتاب والسنة، فلو كان من قبيل الأحداث لذكر في الكتاب أو السنة" (٢) والله تعالى أعلى وأعلم.

والذي نراه في قضية ترك النقل، انقسامها إلى أقسام:

الأول: أن يدل على المتروك نقله نصّاً يأمر بالفعل من الكتاب أو السنة، أو يدل على حكمه الإجماع أو القياس. فلا يكون ترك النقل نقلًا للترك. وإن قلنا هو نقل للترك، فينبغي جعله مرجوحاً، وتقدم عليه الأدلة الأربعة المعارضة له.

الثاني: أن يكون المتروك نقله باقياً على حكم الأصل، والأصل عدم المشروعية في العبادة، فترك النقل يؤكّد الأصل ويثبّته.

الثالث: أن يروي الصحابي تفاصيل حادثةً وقعت، مما يتعلق به شرع، ويذكر ذلك على سبيل الاستقصاء، فيظهر أنه لم يغادر من تفاصيلها الرئيسية شيئاً.


(١) الموافقات ٢/ ٤١٠ وليس المراد هنا بيان حكم سجود الشكر، وإنما المراد القاعدة الأصولية، أما سجود الشكر فهو ثابت بأدلة فعليه. راجع لذلك (أعلام الموقعين) لابن القيم، وغيره.
(٢) نقله السمعاني (البحر المحيط ٢/ ٢٥٩ أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>