للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثّل له السمعاني بنقل قصة رجم ماعز، فقد نقلها الراوي من أولها إلى آخرها، ولم ينقل أنه جَلَدَه، والجَلْد له وزنه في الخبر لو أنه وقع. فترك ذكره دليل على ترك فعله، إذ لو كان لذكر.

قال: وقد يردّ المعترض بأن الجَلّد مع الرجم لا يُتّشَوَّف إلى نقله مع نقل الرجم، فإنه غير محتفَل به. يعني لحقارة شأنه بالإضافة إلى الرجم.

وهذا الردّ اعتراف بصحة القاعدة، وليس إبطالاً لها، وإنما الخلاف في المثال.

ومن هذا النوع عندي ما استدلّ به ابن تيمية من عدم زيارته - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع لموضع تحنثه في الجاهلية في غار حراء، ولا لغار ثور، لأنه لو فعله لكان ظاهراً، ولرافقوه إليه ونقلوا إلينا ذلك. وكذلك ما استدلَّ به الفقهاء من تركه - صلى الله عليه وسلم - لتكرار العمرة قبل خروجه إلى عرفات، وبعد أيام التشريق، وفي عمرة القضاء.

الرابع: أن ينقل الراوي الواقعة، ويسكت عن تفصيلٍ يجعل الصورة نادرة، فسكوته يكون حجة على عدم ذلك التفصيل (١). ومثاله ما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - أقاد مسلماً بكافر، وقال: "أنا أحقّ من وفى ذمته" (٢)، قال المانعون لقتل المسلم بالكافر: لعلّ قاتلاً قتل كافراً ثم أسلم القاتل، فهذا نادر، وتتشوّف الطباع لنقله، فسكوت الراوي عنه يدل على أنه لم يكن.

وبهذا يتبيّن أن ترك النقل لتفصيل معتادٍ غير نادر، أو ضعيف الأهمية، أو موافق للنصوص المعلومة، لا يدل على نفي وقوعه. ولا أثر لترك نقله في الأحكام. والله أعلم.


(١) السمعاني (البحر المحيط ٢/ ٢٥٩ أ).
(٢) الحديث نقل في بدائع الصنائع (٧/ ٢٣٧) أن محمد بن الحسن رواه بإسناده.

<<  <  ج: ص:  >  >>