للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشافعية والمالكية والحنابلة المخالفون للحنفية في هذا الفرع، احتجّوا بحديث عائشة في استحاضة فاطمة بنت أبي حبيش أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها: "إن دم الحيض دم أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، وإذا كان الآخر فتوضئي" (١).

استدلوا به على أن المستحاضة إن كانت مميزة فالمعتبر التمييز، ولا اعتبار حينئذٍ بالعادة. واستدلالهم مبني على القاعدة المذكورة نفسها. ووجه بنائها عليها لا يخفى (٢).

هذا ولما كان من المحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد علم بالواقعة -ربما من مصدر آخر غير سؤال السائل- على أي الوجهين وقعت، فقد أنكر بعض العلماء صحة هذه القاعدة، لأن استفصاله عن ذلك يكون لغواً لا فائدة فيه.

فبالنظر إلى هذا الاحتمال حرّر الأبياري (٣) هذه القاعدة كما يلي:

أولاً: إن كان الاستفتاء عن أمر لم يقع أصلًا، وإنما يراد إيقاعه في المستقبل، فإن ترك الاستفصال ينزّل منزلة العموم، كما لو سألته امرأة غير مستحاضة عن الحكم لو استحيضت.

أقول: ومثله ما لو سئل عن المسألة بصفة عامة، كما لو قيل له: ما تقول في امرأة استحيضت ... إلخ.

ثانياً: أن يتبيّن لنا اطّلاعه - صلى الله عليه وسلم - على صفة الحال، ونعلم بطريق ما، أن الخبر كان قد وصله، فلا ريب أن تركه الاستفصال لا يدل على العموم، لأن الاستفصال لا داعي إليه.

ثالثاً: أن يثبت لنا، بطريق ما، أن القضية التي وقعت أفتى فيها - صلى الله عليه وسلم - وهي


(١) رواه النسائي (جامع الأصول ٨/ ٢٢٧).
(٢) انظر الخلاف في هذا الفرع في المغني لابن قدامة ١/ ٣١١
(٣) البحر المحيط للزركشي ٢/ ٥٣ أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>