للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قيل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، إنه قال: "الساكت عن الحق شيطان أخرس" (١).

وقد اعترض على هذا الدليل، بناء على قول من يجوّز على النبي - صلى الله عليه وسلم - الصغائر، بأنه إنما يلزم أن لو قدّر الفعل المقرّ عليه محرماً لكان كبيرة، أو لكان صغيرة وتكرر أمامه - صلى الله عليه وسلم -، فلم ينكره. ذكر الغزالي (٢): هذا الاعتراض عن قوم.

وأجاب عنه، بالجزم بجواز التمسّك بالإقرار، حتى على قول من يجوز الصغيرة، محتجّاً بأن الصحابة كانوا يفهمون من التقرير الجواز، دون توقف.

وقال الآمدي: "التقرير على غير الجائز، وإن كان من الصغائر الجائزة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند قوم، إلا أنه في غاية البعد، لا سيما في ما يتعلق ببيان الأحكام الشرعية" (٣).

أقول: وقد قدّمت في فصل حجية الأفعال من الباب الأول، أن احتمال الصغائر لا يمنع الاحتجاج بالأفعال، فليرجع إليه.

وقد يقال أيضاً: إن إنكار المنكر باللسان غير واجب في جميع الأحوال، بل يجوز تركه في بعض الأحوال، مع الإنكار بالقلب. بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" (٤). فإذا كان كذلك فلِمَ لا يقال إن بعض ما ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - إنكاره يحتمل أنه تركه لعدم استطاعته تغييره، وقد أنكره بقلبه.

ويجاب عن هذا السؤال، بأن الإقرار الذي نعتبره حجة، هو إقراره - صلى الله عليه وسلم - لأتباعه من المسلمين، وهم منصاعون لأمره، والظاهر أن قوله يؤثر في المخطئ منهم حتى يترك خطأه. فلا يصدق عليه أنه في مثل هذه الحال غير مستطيع الإنكار


(١) حديث: "الساكت عن الحق شيطان أخرس" نقله البخاري شارح البزدوي (٣/ ٨٦٩) ولم نجده في كتب الحديث.
(٢) المنخول ص ٢٣٠، المستصفى ٢/ ٥٢، المحقق ق ٣٩ ب.
(٣) الإحكام في أصول الأحكام ١/ ٢٧٠
(٤) مسلم وأحمد وأربعة (الفتح الكبير).

<<  <  ج: ص:  >  >>