للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يظهر النبي - صلى الله عليه وسلم - الاستبشار أحياناً مع من تبيّن إصرارهم على الفحش. ويكون ذلك منه نوعاً من السياسة، ولا يكون رضاً بما هم عليه من سوء الحال. ومثال هذا ما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "استأذن رجل على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ائذنوا له، بئس أخو العشيرة، فلما دخل ألان له الكلام -وفي رواية قالت عائشة: فلم أنشب أن سمعت ضحكه معه- قلت: يا رسول الله، قلتَ الذي قلتَ، ثم ألنت له الكلام؟ قال: أيْ عائشة، إن شر الناس من تركه الناس اتقاء فحشه".

أما مع المسلم المنقاد للشرائع، فإن الاستبشار لا يكون بما يخالف ظاهره الحق.

٥ - ودون ذلك أن يسكت سكوتاً مجرداً، لا يظهر رضا ولا كراهة. وهذا النوع حجة أيضاً، لأنه الأصل في التقرير وقد بينا أدلة حجيته.

٦ - ودون ذلك أن يسكت مع إظهار الانزعاج، أو الضيق والتبرّم، وكل ما يدلّ على عدم الرضا.

وفي هذا النوع يقع التعارض بين دلالة سكوته على الجواز وانتفاء الحرج، ودلالة انزعاجه وتبرّمه على الكراهة. فوقع فيه الخلاف أهو إقرار أم إنكار. وقد رأى السبكي دلالة السكوت على الجواز بعدم ظهور الاستبشار منه - صلى الله عليه وسلم -. يقول السبكي: "سكوته - صلى الله عليه وسلم - على الفعل، ولو غير مستبشر، دليل الجواز للفاعل" (١). وهذا منه شامل للحالتين الخامسة والسادسة.

وعندي أن القول بأن إظهار الانزعاج والضيق دليل الكراهة، هو المستقيم. لأن البيان يتم بكل ما يحصل به التبيين، فإذا أظهر - صلى الله عليه وسلم - الكراهة بإعراضه وإظهاره الانزعاج، كان ذلك بياناً، وحصل للمشاهدين تبيُّن غرضه - صلى الله عليه وسلم - في ذلك.

فلا يكون هذا النوع إقراراً، بل هو إنكار.

والدليل على ذلك أمران:


(١) جمع الجوامع ٢/ ٩٥

<<  <  ج: ص:  >  >>