الأول: ما تقدم ذكره في مبحث السكوت، أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يُسأل أحياناً، فيعرض عن السائل، ويسكت عنه، إنكاراً لسؤاله. ومن ذلك إعراضه عمن سأل عن الحج أفي كل عام هو؟ بدليل أنه لما أكثر عليه السائل صرح له بإنكاره للسؤال. فدلّ على أنه لما سكت معرضاً عنه أولاً، كان يريد بيان الكراهة.
الثاني: ما قدمنا في مبحث الإشارة، من أن الإشارة تكون بياناً، إذا قصد بها إفهام المخاطب أمراً. فكذلك هنا.
ومن ذلك عندي ما ورد عن ابن عمر أنه - صلى الله عليه وسلم - سمع زمّارة راعٍ فوضع أصبعيه في أذنيه. يعني لئلا يسمعها.
ومن قال إن ذلك لا يمنع القول بالإباحة، فهو خلاف الظاهر من فعله - صلى الله عليه وسلم -.
وقد قال تقي الدين النبهاني في قصّة الراعي:"هذا لا يعتبر إنكاراً على الراعي بل يعتبر سكوتاً عنه، وهو دليل على جواز الزمّارة، وجواز سماعها"(١).
وهذا القول منه إن عنى بالجواز فيه ما يشمل المكروه، فإن الخلاف لفظي فلا نلتفت إليه في هذا الموضع. وإن عنى به المباح، فهو مردود، فإن وضع النبي - صلى الله عليه وسلم - إصبعيه في أذنيه ليس لكراهة طبيعة، كأكل الضب، وإنما هي كراهة شرعيّة، وذلك ظاهر.