. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَلَمْ يَكْرَه مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَا خَافَهُ عَلَى أَهْل الْجَهَالَة وَالْجَفَاء إِذَا اِسْتَمَرَّ ذَلِكَ وَخَشِيَ أَنْ يُعَدَّ مِنْ فَرَائِض الصِّيَام مُضَافًا إِلَى رَمَضَان وَمَا أَظُنّ مَالِكًا جَهِلَ الْحَدِيث لِأَنَّهُ حَدِيثٌ مَدَنِيٌّ اِنْفَرَدَ بِهِ عُمَر بْن ثَابِت وَأَظُنّ عُمَر بْن ثَابِت لَمْ يَكُنْ عِنْده مِمَّنْ يَعْتَمِد عَلَيْهِ وَقَدْ تَرَك مَالِك الِاحْتِجَاج بِبَعْضِ مَا رَوَاهُ عُمَر بْن ثَابِت
وقيل إنه روى عنه ولولا عِلْمه بِهِ مَا أَنْكَرَ بَعْض شُيُوخه إِذْ لَمْ يَثِق بِحِفْظِهِ لِبَعْضِ مَا يَرْوِيه وَقَدْ يُمْكِن أَنْ يَكُون جَهِلَ الْحَدِيث وَلَوْ عَلِمَهُ لَقَالَ بِهِ هَذَا كَلَامه
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض أَخَذَ بِهَذَا الْحَدِيث جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء
وَرُوِيَ عَنْ مَالِك وَغَيْره كَرَاهِيَة ذَلِكَ وَلَعَلَّ مَالِكًا إِنَّمَا كَرِهَ صَوْمهَا عَلَى مَا قَالَ فِي الْمُوَطَّأ أَنْ يَعْتَقِد مَنْ يَصُومهُ أَنَّهُ فَرْض وأما على الوجه الذي أراده النبي فَجَائِز
وَأَمَّا الْمَقَام الثَّانِي فَلَا رَيْب أَنَّهُ مَتَى كَانَ فِي وَصْلِهَا بِرَمَضَان مِثْل هَذَا الْمَحْذُور كُرِهَ أَشَدّ الْكَرَاهَة وَحُمِيَ الْفَرْض أَنْ يُخْلَط بِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ وَيَصُومهَا فِي وَسَط الشَّهْر أَوْ آخِره وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْمَحْذُور فَدَفْعه وَالتَّحَرُّز مِنْهُ وَاجِبٌ وَهُوَ مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام
فَإِنْ قِيلَ الزِّيَادَة فِي الصَّوْم إِنَّمَا يُخَاف مِنْهَا لَوْ لَمْ يُفْصَل بَيْن ذَلِكَ بِفِطْرِ يَوْم الْعِيد فَأَمَّا وَقَدْ تَخَلَّلَ فِطْر يَوْم الْعِيد فَلَا مَحْذُور
وَهَذَا جَوَابُ أبي حامد الاسفرايني وَغَيْره
قِيلَ فِطْر الْعِيد لَا يُؤَثِّر عِنْد الْجَهَلَة فِي دَفْع هَذِهِ الْمَفْسَدَة
لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ وَاجِبًا فَقَدْ يَرَوْنَهُ كَفِطْرِ يَوْم الْحَيْض لَا يَقْطَع التَّتَابُع وَاتِّصَال الصَّوْم فَبِكُلِّ حَال يَنْبَغِي تَجَنُّب صَوْمهَا عَقِب رَمَضَان إِذَا لَمْ تُؤْمَن مَعَهُ هَذَا الْمَفْسَدَة
وَاَللَّه أَعْلَم
فَصْلٌ فَإِنْ قِيلَ لِمَ قَالَ سِتّ وَالْأَيَّام مُذَكَّرَة فَالْأَصْل أَنْ يُقَال سِتَّة كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى {سَبْع لَيَالٍ وَثَمَانِيَة أَيَّام} وَهَلْ لِشَوَّال بِخُصُوصِهِ مَزِيَّة عَلَى غَيْره فِي ذَلِكَ أَمْ لَا وَهَلْ لِلسِّتِّ خُصُوصِيَّة عَلَى مَا دُونهَا وَأَكْثَر مِنْهَا أَمْ لَا وَكَيْف شَبَّهَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِصِيَامِ الدَّهْر فَيَكُون الْعَمَل الْيَسِير مُشَبَّهًا بِالْعَمَلِ الْكَثِير وَمِنْ جِنْسه وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا وَعَمِلَ الْآخَر بِقَدْرِهِ مَرَّتَيْنِ لَا يَسْتَوِيَانِ فَكَيْف يَكُون بِقَدْرِهِ عَشْر مَرَّات وَهَلْ فَرْقٌ بَيْن قَوْله فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْر وَبَيْن أَنْ يُقَال فَكَأَنَّهُ قَدْ صَامَ الدَّهْر وَهَلْ يَدُلّ الْحَدِيث عَلَى اِسْتِحْبَاب صِيَام الدَّهْر لِأَجْلِ هَذَا التَّشْبِيه أَمْ لَا فَالْجَوَاب أَمَّا قَوْله سِتّ وَلَمْ يَقُلْ سِتَّة فَالْعَرَب إِذَا عَدَّتْ اللَّيَالِي وَالْأَيَّام فَإِنَّهَا تُغَلِّب اللَّيَالِي إِذَا لَمْ تُضِفْ الْعَدَد إِلَى الْأَيَّام فَمَتَى أَرَادُوا عَدَّ الْأَيَّام عَدُّوا اللَّيَالِي وَمُرَادهمْ الْأَيَّام
قَالَ تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وَلَوْ قِيلَ وَعَشْرَة لَكَانَ لَحْنًا