للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

مَا أَكَلَهُ

وَالْمُنَازِعُونَ لَا يُفَرِّقُونَ بَلْ يُوجِبُونَ الضَّمَان عَلَى الْآكِل وَالْمُخْرِج مَعًا وَلَا يُفَرِّقُونَ فِيهِ بَيْن الْمُحْتَاج وَغَيْره

وَهَذَا جَمْع بَيْن مَا فَرَّقَ الرَّسُول بَيْنه وَالنَّصّ صَرِيح فِي إِبْطَاله

فَالْحَدِيث حُجَّة عَلَى اللَّفْظَيْنِ مَعًا

فَإِنْ قِيلَ فَالْمُجَوِّزُونَ لَا يَخُصُّونَ الْإِبَاحَة بِحَالِ الْحَاجَة بَلْ يُجَوِّزُونَ الْأَكْل لِلْمُحْتَاجِ وَغَيْرهَا فَقَدْ جَمَعُوا بَيْن مَا فَرَّقَ الشَّارِع بَيْنه قِيلَ الْحَاجَة الْمُسَوِّغَة لِلْأَكْلِ أَعَمّ مِنْ الضَّرُورَة وَالْحُكْم مُعَلَّق بِهَا وَلَا ذِكْر لِلضَّرُورَةِ فِيهِ وَإِنَّمَا الْجَوَاز دَائِر مَعَ الْحَاجَة وَهُوَ نَظِير تَعْلِيق بَيْع الْعَرَايَا بِالْحَاجَةِ فَإِنَّهَا الْحَاجَة إِلَى أَكْل الرُّطَب

وَلَا تُعْتَبَر الضَّرُورَة اِتِّفَاقًا فَكَذَلِكَ هُنَا

وَعَلَى هَذَا فَاللَّفْظ قَدْ خَرَجَ مَخْرَج الْغَالِب

وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا مَفْهُوم لَهُ اِتِّفَاقًا

وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى الْجَوَاز أَيْضًا حَدِيث رَافِع بْن عَمْرو الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْكِتَاب وَقَدْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيّ

وَلَا يَصِحّ حَمْله عَلَى المضطر لثلاثة أوجه

أحدها أن النبي أَطْلَقَ لَهُ الْأَكْل وَلَمْ يَقُلْ كُلْ إِذَا اضطررت واترك عند زويل الضَّرُورَة كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْمَيْتَة وَكَمَا قال النبي لِلَّذِي سَأَلَهُ عَنْ رُكُوب هَدْيه اِرْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إِذَا أُلْجِئْت إِلَيْهَا حَتَّى تَجِد ظَهْرًا الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْإِبَاحَة إِنَّمَا هِيَ لِأَجْلِ الضَّرُورَة فَقَطْ لَثَبَتَ الْبَدَل فِي ذِمَّته كَسَائِرِ الأموال والنبي لَمْ يَأْمُرهُ بِبَدَلٍ وَتَأْخِير الْبَيَان عَنْ وَقْت الْحَاجَة مُمْتَنِع

الثَّالِث أَنَّ لَفْظ الْحَدِيث فِي كِتَاب أَبِي دَاوُدَ لَيْسَ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ ذِكْر فَإِنَّهُ قَالَ يَا غُلَام لِمَ تَرْمِي النَّخْل قَالَ آكُل

فَقَالَ لَا تَرْمِ النَّخْل وَكُلْ مَا سَقَطَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ يَرْمِيهَا لِلْأَكْلِ لَا لِلْحَمْلِ فَأَبَاحَ لَهُ السَّاقِط وَمَنَعَهُ مِنْ الرَّمْي لِمَا فِيهِ مِنْ كَثْرَة الْأَذَى وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَلَفْظه قَالَ يَا رَافِع لِمَ تَرْمِي نَخْلهمْ قَالَ قُلْت يَا رَسُول اللَّه الْجُوع

قَالَ لَا تَرْمِ وَكُلْ مَا وَقَعَ أَشْبَعَك اللَّه فَهَذَا اللَّفْظ لَيْسَ مُعَارِضًا لِلْأَوَّلِ

وَكِلَاهُمَا يَدُلّ عَلَى إِبَاحَة الْأَكْل وَأَنَّ الْإِبَاحَة عِنْد الْجُوع أَوْلَى

وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى الْجَوَاز أَيْضًا حَدِيث عَبَّاد بْن شُرَحْبِيل وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْبَاب وَهُوَ صَحِيح الْإِسْنَاد وَالِاسْتِدْلَال بِهِ فِي غَايَة الظُّهُور

وَقَدْ تَكَلَّفَ بَعْض النَّاس رَدّه بِإِنَّهُ لَمْ يُحَدِّث بِهِ عَنْ أَبِي بِشْر إِلَّا جَعْفَر بْن إِيَاس وَهَذَا تَكَلُّف بَارِد

فَإِنَّ أَبَا بِشْر هَذَا مِنْ الْحُفَّاظ الثِّقَات الَّذِينَ لَمْ تُغْمَز قَنَاتهمْ

وَتَكَلَّفَ آخَرُونَ مَا هُوَ أَبْعَد مِنْ هَذَا

فَقَالُوا الْحَدِيث رواه بن ماجه والنسائي ولفظه فأقره النبي فَرَدَّ إِلَيْهِ ثَوْبه وَأَمَرَ لَهُ بِوَسْقٍ مِنْ طَعَام

قَالُوا فَالْمَأْمُور لَهُ بِالْوَسْقِ هُوَ الْأَنْصَارِيّ صَاحِب الْحَائِط وَكَانَ هَذَا تَعْوِيضًا مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>