قال المنذري والحديث أخرجه الترمذي والنساء وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ فَإِنَّ أَبَا صَالِحٍ هَذَا هُوَ بَاذَامُ يُقَالُ بَاذَانُ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طالب وهو
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَالثَّالِث أَنَّهُ مُبَاح لَهُنَّ غَيْر مَكْرُوه وَهُوَ الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَنْ أَحْمَد
وَاحْتُجَّ لِهَذَا الْقَوْل بِوُجُوهٍ
أَحَدهَا مَا رَوَى مُسْلِم فِي صَحِيحه مِنْ حَدِيث بُرَيْدَةَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَة الْقُبُور فَزُورُوهَا وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ زُورُوا الْقُبُور فَإِنَّهَا تُذَكِّر الْمَوْت قَالُوا وَهَذَا الْخِطَاب يَتَنَاوَل النِّسَاء بِعُمُومِهِ بَلْ هُنَّ الْمُرَاد بِهِ فَإِنَّهُ إِنَّمَا عُلِمَ نَهْيه عَنْ زِيَارَتهَا لِلنِّسَاءِ دُون الرِّجَال وَهَذَا صَرِيح فِي النسخ لأنه قد صرح فيه بتقدم النَّهْي وَلَا رَيْب فِي أَنَّ الْمَنْهِيّ عَنْ زِيَارَة الْقُبُور هُوَ الْمَأْذُون لَهُ فِيهَا وَالنِّسَاء قَدْ نُهِينَ عَنْهَا فَيَتَنَاوَلهُنَّ الْإِذْن قَالُوا وَأَيْضًا فقد قال عبد الله بن أبي ملكية لِعَائِشَة يَا أُمّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْت قَالَتْ مِنْ قَبْر أَخِي عَبْد الرَّحْمَن فَقُلْت لَهَا أَلَيْسَ قَدْ نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ زِيَارَة الْقُبُور قَالَتْ نَعَمْ ثُمَّ أَمَرَ بِزِيَارَتِهَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيث يَزِيد بْن زُرَيْعٍ عَنْ بَسْطَام بْن مسلم عن أبي التياح عن بن أَبِي مُلَيْكَة قَالَ تُوُفِّيَ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر يَحْيَى
فَحُمِلَ إِلَى مَكَّة فَدُفِنَ فَلَمَّا قَدِمَتْ عَائِشَة أَتَتْ قَبْر عَبْد الرَّحْمَن فَقَالَتْ وَكُنَّا كَنَدْمَانَيْ جَذِيمَة حِقْبَة مِنْ الدَّهْر حَتَّى قِيلَ لَنْ يَتَصَدَّعَا فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا كَأَنِّي وَمَالِكًا لِطُولِ اِجْتِمَاع لَمْ نَبِتْ لَيْلَة مَعًا ثُمَّ قَالَتْ وَاَللَّه لَوْ حَضَرْتُك مَا دُفِنْت
إِلَّا حَيْثُ مُتّ وَلَوْ شَهِدْتُك مَا زُرْتُك
قَالُوا وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث أَنَس قَالَ مَرَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ عِنْد قَبْر تَبْكِي عَلَى صَبِيّ لَهَا فَقَالَ لَهَا اِتَّقِي اللَّه وَاصْبِرِي فَقَالَتْ وَمَا تُبَالِي بِمُصِيبَتِي
فَلَمَّا ذَهَبَ قِيلَ لَهَا إِنَّهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَهَا مِثْل الْمَوْت فَأَتَتْ بَابه فَلَمْ تَجِد عَلَى بَابه بَوَّابِينَ فَقَالَتْ يَا رَسُول اللَّه لَمْ أَعْرِفك فَقَالَ إِنَّمَا الصَّبْر عِنْد الصَّدْمَة الْأُولَى وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيّ بَاب زِيَارَة الْقُبُور قَالُوا وَلِأَنَّ تَعْلِيل زِيَارَتهَا بِتَذْكِيرِ الْآخِرَة أَمْر يَشْتَرِك فِيهِ الرِّجَال وَالنِّسَاء
وَلَيْسَ الرِّجَال إِلَيْهِ مِنْهُنَّ
قَالَ الْأَوَّلُونَ أَحَادِيث التَّحْرِيم صَرِيحَة فِي مَعْنَاهَا
فَإِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ النِّسَاء عَلَى الزِّيَارَة وَاللَّعْن عَلَى الْفِعْل مِنْ أَدَلّ الدَّلَائِل عَلَى تَحْرِيمه وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ قَرَنَهُ فِي اللَّعْن بِالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِد وَالسُّرُج وَهَذَا غَيْر مَنْسُوخ بَلْ لَعَنَ فِي مَرَض مَوْته مَنْ فَعَلَهُ كَمَا تقدم
قَالُوا وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنْت نَهَيْتُكُمْ إِنَّمَا هُوَ صِيغَة خِطَاب لِلذُّكُورِ وَالْإِنَاث وَإِنْ دَخَلْنَ فِيهِ تَغْلِيبًا