. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
أَقْرَضَهُ مِائَة إِلَى سَنَة ثُمَّ بَاعَهُ مَا يُسَاوِي خَمْسِينَ بِمِائَةٍ فَقَدْ جَعَلَ هَذَا الْبَيْع ذَرِيعَة إِلَى الزِّيَادَة فِي الْقَرْض الَّذِي مُوجِبه رَدّ الْمِثْل وَلَوْلَا هَذَا الْبَيْع لَمَا أَقْرَضَهُ وَلَوْلَا عَقْد الْقَرْض لَمَا اِشْتَرَى ذَلِكَ
فَظَهَرَ سر قوله لَا يَحِلّ سَلَف وَبَيْع وَلَا شَرْطَانِ فِي بيع وقول بن عُمَر نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَة وَعَنْ سَلَف وَبَيْع وَاقْتِرَان إِحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ بِالْأُخْرَى لَمَّا كَانَا سَلِمَا إِلَى الرِّبَا
وَمَنْ نَظَرَ فِي الْوَاقِع وَأَحَاطَ بِهِ عِلْمًا فَهِمَ مُرَاد الرَّسُول مِنْ كَلَامه وَنَزَّلَهُ عَلَيْهِ
وَعَلِمَ أَنَّهُ كَلَام مَنْ جُمِعَتْ لَهُ الْحِكْمَة وَأُوتِيَ جَوَامِع الْكَلِم فَصَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ وَجَزَاهُ أَفْضَل مَا جَزَى نَبِيًّا عَنْ أُمَّته
وَقَدْ قَالَ بَعْض السَّلَف اُطْلُبُوا الْكُنُوز تَحْت كَلِمَات رَسُول اللَّه وَلَمَّا كَانَ مُوجِب عَقْد الْقَرْض رَدّ الْمِثْل مِنْ غَيْر زِيَادَة كَانَتْ الزِّيَادَة رِبًا
قَالَ بن المنذر أجمعوا على أن السلف إِذَا شَرَطَ عَلَى الْمُسْتَسْلِف زِيَادَة أَوْ هَدِيَّة
فَأَسْلَفَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ أَخْذ الزِّيَادَة عَلَى ذلك ربآ وقد روى عن بن مسعود وأبي بن كعب وبن عَبَّاس أَنَّهُمْ نَهَوْا عَنْ قَرْض جَرّ مَنْفَعَة وَكَذَلِكَ إِنْ شَرَطَ أَنْ يُؤَجِّرهُ دَاره أَوْ يَبِيعهُ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ سَلَّمَ إِلَى الربا
ولهذا نهى عنه النبي وَلِهَذَا مَنَعَ السَّلَف رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ مِنْ قَبُول هَدِيَّة الْمُقْتَرِض إِلَّا أَنْ يَحْتَسِبهَا الْمُقْرِض مِنْ الدَّيْن
فَرَوَى الْأَثْرَم أَنَّ رَجُلًا كَانَ لَهُ عَلَى سَمَّاك عِشْرُونَ دِرْهَمًا فَجَعَلَ يُهْدِي إِلَيْهِ السَّمَك وَيُقَوِّمهُ حَتَّى بَلَغَ ثَلَاثَة عَشَر درهما فسأل بن عَبَّاس فَقَالَ أَعْطِهِ سَبْعَة دَرَاهِم
وَرُوِيَ عَنْ بن سِيرِينَ أَنَّ عُمَر أَسْلَفَ أُبَيّ بْن كَعْب عَشَرَة آلَاف دِرْهَم فَأَهْدَى إِلَيْهِ أُبَيّ مِنْ ثَمَرَة أَرْضه فَرَدَّهَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْبَلْهَا فَأَتَاهُ أُبَيّ فَقَالَ لَقَدْ عَلِمَ أَهْل الْمَدِينَة أَنِّي مِنْ أَطْيَبِهِمْ ثَمَرَة وَأَنَّهُ لَا حَاجَة لَنَا
فَبِمَ مَنَعْت هَدِيَّتنَا ثُمَّ أَهْدَى إِلَيْهِ بَعْد ذَلِكَ فَقَبِلَ فَكَانَ رَدّ عُمَر لَمَّا تَوَهَّمَ أَنْ تَكُون هَدِيَّته بِسَبَبِ الْقَرْض
فَلَمَّا تَيَقَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِسَبَبِ الْقَرْض قَبِلَهَا
وَهَذَا فَصْل النِّزَاع فِي مَسْأَلَة هَدِيَّة الْمُقْتَرِض
وَقَالَ زِرّ بْن حُبَيْش قُلْت لِأُبَيّ بْن كَعْب إِنِّي أُرِيد أَنْ أَسِير إِلَى أَرْض الْجِهَاد إِلَى الْعِرَاق فَقَالَ إِنَّك تَأْتِي أَرْضًا فَاشٍ بِهَا الرِّبَا فَإِنْ أَقْرَضْت رَجُلًا قَرْضًا فَأَتَاك بِقَرْضِك لِيُؤَدِّيَ إِلَيْك قَرْضك وَمَعَهُ هَدِيَّة فَاقْبِضْ قَرْضك وَارْدُدْ عَلَيْهِ هَدِيَّته ذَكَرهنَّ الْأَثْرَم
وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي بُرْدَة بْن أَبِي مُوسَى قَالَ قَدِمْت الْمَدِينَة فَلَقِيت عَبْد اللَّه بْن سَلَام فَذَكَرَ الْحَدِيث وَفِيهِ ثُمَّ قَالَ لِي إِنَّك بِأَرْضٍ فِيهَا الرِّبَا فَاشٍ فَإِذَا كَانَ لَك عَلَى رَجُل دَيْن فَأَهْدَى إِلَيْك حِمْل تِبْن أَوْ حِمْل قَتّ أَوْ حِمْل شَعِير فلا تأخذه فإنه ربا