. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال بن أَبُو مُوسَى وَلَوْ أَقْرَضَهُ قَرْضًا ثُمَّ اِسْتَعْمَلَهُ عَمَلًا لَمْ يَكُنْ يَسْتَعْمِلهُ مِثْله قَبْل الْقَرْض كَانَ قَرْضًا جَرَّ مَنْفَعَة قَالَ وَلَوْ اِسْتَضَافَ غَرِيمه وَلَمْ تَكُنْ الْعَادَة جَرَتْ بَيْنهمَا بِذَلِكَ حَسَبَ لَهُ مَا أَكَلَهُ
وَاحْتَجَّ لَهُ صَاحِب المغني بما روى بن مَاجَهْ فِي سُنَنه عَنْ أَنَس قَالَ قَالَ رسول الله إِذَا اِقْتَرَضَ أَحَدكُمْ قَرْضًا فَأُهْدِيَ إِلَيْهِ أَوْ حَمَلَهُ عَلَى دَابَّته فَلَا يَرْكَبْهَا وَلَا يَقْبَلْهُ إِلَّا أَنْ يَكُون جَرَى بَيْنه وَبَيْنه قَبْل ذَلِكَ
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَة عَنْ أَحْمَد فِيمَا لَوْ أَقْرَضَهُ دَرَاهِم وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُوَفِّيه إِيَّاهَا بِبَلَدٍ آخَر وَلَا مُؤْنَة لِحَمْلِهَا فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوز وَكَرِهَهُ الْحَسَن وَجَمَاعَة وَمَالِك والأوزاعي والشافعي وروي عنه الجواز
نقله بن الْمُنْذِر لِأَنَّهُ مَصْلَحَة لَهُمَا فَلَمْ يَنْفَرِد الْمُقْتَرِض بالمنفعة وحكاه عن علي وبن عباس والحسن بن علي وبن الزبير وبن سِيرِينَ وَعَبْد الرَّحْمَن بْن الْأَسْوَد وَأَيُّوب وَالثَّوْرِيّ وَإِسْحَاق وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي
وَنَظِير هَذَا مَا لَوْ أَفْلَسَ غَرِيمه فَأَقْرَضَهُ دَرَاهِم يُوَفِّيه كُلّ شَهْر شَيْئًا مَعْلُومًا مِنْ رِبْحهَا جَازَ
لِأَنَّ الْمُقْتَرِض لَمْ يَنْفَرِد بِالْمَنْفَعَةِ
وَنَظِيره مَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حِنْطَة فَأَقْرَضَهُ دَرَاهِم يَشْتَرِي لَهُ بِهَا حِنْطَة وَيُوَفِّيه إِيَّاهَا
وَنَظِير ذَلِكَ أَيْضًا إِذَا أقرض فلاحه مَا يَشْتَرِي بِهِ بَقَرًا يَعْمَل بِهَا فِي أرضه أو بذرا يبذره فيها
ومنعه بن أَبِي مُوسَى
وَالصَّحِيح جَوَازه وَهُوَ اِخْتِيَار صَاحِب الْمُغْنِي
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْتَقْرِض إِنَّمَا يَقْصِد نَفْع نَفْسه وَيَحْصُل اِنْتِفَاع الْمُقْرِض ضِمْنًا فَأَشْبَهَ أَخْذ السَّفْتَجَة بِهِ وَإِيفَاءَهُ إِيَّاهُ فِي بَلَد آخَر مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مَصْلَحَة لَهُمَا جَمِيعًا
وَالْمَنْفَعَة الَّتِي تَجُرّ إِلَى الرِّبَا فِي الْقَرْض هِيَ الَّتِي تَخُصّ الْمُقْرِض كَسُكْنَى دَار الْمُقْتَرِض وَرُكُوب دَوَابّه وَاسْتِعْمَاله وَقَبُول هَدِيَّته
فَإِنَّهُ لَا مَصْلَحَة لَهُ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ هَذِهِ الْمَسَائِل فَإِنَّ الْمَنْفَعَة مُشْتَرِكَة بَيْنهمَا وَهُمَا مُتَعَاوِنَانِ عَلَيْهَا فَهِيَ من جنس التعاون والمشاركة
وأما نهيه عَنْ رِبْح مَا لَمْ يُضْمَنْ
فَهُوَ كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عُمَر حَيْثُ قَالَ لَهُ إِنِّي أَبِيع الْإِبِل بِالْبَقِيعِ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذ الدَّنَانِير وَأَبِيع بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذ الدَّرَاهِم
فَقَالَ لَا بَأْس إِذَا أَخَذْتهَا بِسِعْرِ يَوْمهَا وَتَفَرَّقْتُمَا وَلَيْسَ بَيْنكُمَا شَيْء
فَجَوَّزَ ذَلِكَ بِشَرْطَيْنِ
أَحَدهمَا أَنْ يَأْخُذ بِسِعْرِ يَوْم الصَّرْف لِئَلَّا يَرْبَح فِيهَا وَلِيَسْتَقِرَّ ضَمَانه
وَالثَّانِي أَنْ لَا يَتَفَرَّقَا إِلَّا عَنْ تَقَابُض لِأَنَّهُ شَرْط فِي صِحَّة الصَّرْف لِئَلَّا يَدْخُلهُ رِبَا النَّسِيئَة