(أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَبِيٍّ) أَيْ بِجِنَازَةِ صَبِيٍّ (يُصَلِّي عَلَيْهِ) أَيْ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ (طُوبَى لِهَذَا) طُوبَى فُعْلَى مِنْ طَابَ يَطِيبُ قُلِبَتِ الْيَاءُ وَاوًا أَيِ الرَّاحَةُ وَطِيبُ الْعَيْشِ حَاصِلٌ لِهَذَا الصَّبِيِّ (وَلَمْ يَدْرِ بِهِ) مِنَ الدِّرَايَةِ وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ قَالَهُ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ (أَوَ غَيْرُ ذَلِكَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْكَافِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مِنَ الرِّوَايَاتِ
وَالتَّقْدِيرُ أَتَعْتَقِدِينَ مَا قُلْتِ وَالْحَقُّ غَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ عَدَمُ الْجَزْمِ بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَالْوَاوُ لِلْحَالِ كَذَا قَالَ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ
وَذَكَرَ فِي قَوْلِهِ أَوَ غَيْرُ ذَلِكَ وُجُوهًا أُخَرَ (وَخَلَقَ لَهَا) أَيْ لِلْجَنَّةِ (أَهْلًا) أَيْ يَدْخُلُونَهَا وَيَتَنَعَّمُونَ بِهَا (وَخَلَقَهَا لَهُمْ) أَيْ خَلَقَ الْجَنَّةَ لِأَهْلِهَا (وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ) الْجُمْلَةُ حَالٌ
قَالَ النَّوَوِيُّ أَجْمَعَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ أَطْفَالِ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَيَدُلّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْفِطْرَة هِيَ فِطْرَة الْإِسْلَام لَيْسَتْ الْفِطْرَة الْعَامَّة الَّتِي فُطِرَ عَلَيْهَا مِنْ الشَّقَاوَة وَالسَّعَادَة لِقَوْلِهِ عَلَى هَذِهِ الْفِطْرَة وَقَوْله عَلَى هَذِهِ الْمِلَّة
وَسِيَاقه أَيْضًا يَدُلّ عَلَى أَنَّهَا هِيَ الْمُرَادَة لِإِخْبَارِهِ بِأَنَّ الْأَبَوَيْنِ هُمَا اللَّذَانِ يُغَيِّرَانِهَا وَلَوْ كَانَتْ الْفِطْرَة هِيَ فِطْرَة الشَّقَاوَة وَالسَّعَادَة لِقَوْلِهِ عَلَى هَذِهِ الْفِطْرَة لَكَانَ الْأَبَوَانِ مُقَدِّرَيْنِ لَهَا
وَلِأَنَّ قِرَاءَة قَوْله تَعَالَى {فِطْرَة اللَّه الَّتِي فَطَرَ النَّاس عَلَيْهَا لَا تَبْدِيل لِخَلْقِ اللَّه ذَلِكَ الدِّين الْقَيِّم} عَقِب الْحَدِيث صَرِيح فِي أَنَّ الْمُرَاد بِهَا فِطْرَة الْإِسْلَام وَلِأَنَّ تَشْبِيه الْمَوْلُود فِي وِلَادَته عَلَيْهَا بِالْبَهِيمَةِ الْجَمْعَاء وَهِيَ الْكَامِلَة الْخَلْق ثُمَّ تَشْبِيهه إِذَا خَرَجَ عَنْهَا بِالْبَهِيمَةِ الَّتِي جَدَعَهَا أَهْلهَا فَقَطَعُوا أُذُنهَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْفِطْرَة هِيَ الْفِطْرَة الْمُسْتَقِيمَة السَّلِيمَة وَمَا يَطْرَأ عَلَى الْمَوْلُود مِنْ التَّهْوِيد وَالتَّنْصِير بِمَنْزِلَةِ الْجَدْع وَالتَّغْيِير فِي وَلَد الْبَهِيمَة وَلِأَنَّ الْفِطْرَة حَيْثُ جَاءَتْ مُطْلَقَة مُعَرَّفَة بِاللَّامِ لَا يُرَاد بِهَا إِلَّا فِطْرَة التَّوْحِيد وَالْإِسْلَام وَهِيَ الْفِطْرَة الْمَمْدُوحَة وَلِهَذَا جَاءَ فِي حَدِيث الْإِسْرَاء لَمَّا أَخَذَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّبَن قِيلَ لَهُ أَصَبْت الْفِطْرَة وَلَمَّا سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤَذِّن يَقُول اللَّه أَكْبَر اللَّه أَكْبَر قَالَ عَلَى الْفِطْرَة وَحَيْثُ جَاءَتْ الْفِطْرَة فِي كَلَام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْمُرَاد بِهَا فِطْرَة الْإِسْلَام لَا غَيْر ولم يجيء قَطّ فِي كَلَامه مُرَادًا بِهَا فِطْرَة الشَّقَاوَة وَابْتِدَاء الْخِلْقَة فِي مَوْضِع وَاحِد
وَلَفْظ الْحَدِيث يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ غَيْر مَنْسُوخ وَأَنَّهُ يَسْتَحِيل فِيهِ النَّسْخ كَمَا قَالَ بَعْضهمْ لِأَنَّهُ خَبَر مَحْض وَلَيْسَ حُكْمًا يَدْخُل تَحْت الْأَمْر وَالنَّهْي فَلَا يَدْخُلهُ النَّسْخ
وَأَمَّا حَدِيث عَائِشَة فِي قِصَّة الصَّبِيّ مِنْ الْأَنْصَار فَرَدَّهُ الْإِمَام أَحْمَد وَطَعَنَ فِيهِ وَقَالَ مَنْ يَشُكّ أَنَّ أَوْلَاد الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّة وَقَالَ أَيْضًا إِنَّهُمْ لَا اختلاف فيهم