للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لِجَوَابِهِ (اقْرَأْ بِهَا يَا فَارِسِيُّ فِي نَفْسِكَ) مَعْنَاهُ اقْرَأْهَا سِرًّا بِحَيْثُ تُسْمِعُ نَفْسَكَ وَأَمَّا مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ تَدَبُّرُ ذَلِكَ وَتَذَكُّرُهُ فَلَا يُقْبَلُ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تُطْلَقُ إِلَّا عَلَى حَرَكَةِ اللِّسَانِ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَلِهَذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْجُنُبَ لَوْ تَدَبَّرَ الْقُرْآنَ بِقَلْبِهِ مِنْ غَيْرِ حَرَكَةِ لِسَانِهِ لَا يَكُونُ قَارِئًا مُرْتَكِبًا لِقِرَاءَةِ الْجُنُبِ الْمُحَرَّمَةِ

قَالَهُ النَّوَوِيُّ

(قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ الْقِرَاءَةَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ التَّفْسِيرِ لَهُ وَالتَّفْصِيلِ لِلْمُرَادِ مِنْهُ إِذَا قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى حَمِدَنِي عَبْدِي إِلَى آخِرِ السُّورَةِ

وَقَدْ سُمِّيَ الْقُرْآنُ صَلَاةً لِوُقُوعِهَا فِي الصَّلَاةِ وَكَوْنِهَا جُزْءًا مِنْ أَجْزَائِهَا

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا أَيْ قِرَاءَتِكَ

وَقَالَ تَعَالَى وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قرآن الفجر كان مشهودا أَيْ صَلَاةَ الْفَجْرِ فَسَمَّى الصَّلَاةَ مَرَّةً قُرْآنًا وَالْقُرْآنَ صَلَاةً لِانْتِظَامِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَالصَّلَاةُ خَالِصَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُشْرَكُ فِيهَا أَحَدٌ فَعُقِلَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْقِرَاءَةُ وَحَقِيقَةُ هَذِهِ الْقِسْمَةِ مُنْصَرِفَةٌ إِلَى الْمَعْنَى لَا إِلَى اللَّفْظِ وَذَلِكَ أَنَّ سُورَةَ الْحَمْدِ نِصْفُهَا ثَنَاءٌ وَنِصْفُهَا مَسْأَلَةُ دُعَاءٍ وَالثَّنَاءُ لِلَّهِ وَالدُّعَاءُ لِعَبْدِهِ وَلَيْسَ هَذَا انْقِسَامُ أَلْفَاظٍ وَحُرُوفٍ وَقِسْمُ الثَّنَاءِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى إلى قوله تعالى إياك نعبد وَهُوَ تَمَامُ النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَبَاقِي الْآيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى مِنْ قِسْمِ الدُّعَاءِ وَالْمَسْأَلَةِ وَلِذَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَاكِيًا عَنْ رَبِّهِ وَهَذِهِ الْآيَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ قِسْمَةَ الْأَلْفَاظِ وَالْحُرُوفِ لَكَانَ النِّصْفُ الْأَخِيرُ يَزِيدُ عَلَى الْأَوَّلِ زِيَادَةً بِينَةً فَيَرْتَفِعُ مَعْنَى التَّعْدِيلِ وَالتَّنْصِيفِ وَإِنَّمَا هُوَ قِسْمَةُ الْمَعَانِي كَمَا ذَكَرْتُهُ لَكَ وَهَذَا كَمَا يُقَالُ نِصْفُ السَّنَةِ إِقَامَةٌ وَنِصْفُهَا سَفَرٌ يُرَادُ بِهِ انْقِسَامُ السَّنَةِ مُدَّةَ السَّفَرِ وَمُدَّةَ الْإِقَامَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّعْدِيلِ وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَكُونَا سَوَاءً لَا يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ

وَقِيلَ لِشُرَيْحٍ كَيْفَ أَصْبَحْتَ قَالَ أَصْبَحْتُ وَنِصْفُ النَّاسِ عَلَيَّ غَضْبَانُ يُرِيدُ أَنَّ النَّاسَ بَيْنَ مَحْكُومٍ لَهُ وَمَحْكُومٍ عَلَيْهِ فَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ غَضْبَانُ عَلَيَّ بِاسْتِخْرَاجِي الْحَقَّ مِنْهُ وَإِكْرَاهِي إِيَّاهُ وَلِقَوْلِ الشَّاعِرِ إِذَا مِتُّ كَانَ النَّاسُ نِصْفَيْنِ شَامِتٌ لِمَوْتِي وَمُثْنٍ بِالَّذِي كُنْتُ أَفْعَلُ (فَنِصْفُهَا لِي) وَهُوَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي) وَهُوَ مِنَ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ إِلَى آخِرِهِ (وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ) أَيْ بِعَيْنِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>