لقد درجت وشاعت بعض العادات عند القبائل بإحضار من يسمون شعراء المحاورة، مثل أن يأتوا بشاعرين كل واحد منهما من قبيلة، مقابل إعطاؤهم مبلغاً من المال في حفلات العرس ونحوها، ويقوم الشاعران بإحياء الليل كما يقولون، حيث يكون هناك صفان متقابلان من الرجال، وكل شاعر له صف يرددون ترديداً جماعياً ما يقوله الشاعران، بأصوات عالية مع التصفيق والرقص والتمايل، ويفتخر كل شاعر بحسبه ونسبه، ويطعن بالمقابل في الشاعر الآخر، فما الحكم في هذا كله؟
الجواب
أما الغناء في العرس من النساء بالدفوف فهذا من إعلان النكاح، فيشرع ضرب الدف في النكاح للنساء خاصة، وليس فيه اختلاط وإنما أغانٍ عادية ليس فيها منكر، فهذا مشروع للنساء، وهو من إعلان النكاح، وكان يفعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ويحضره أزواجه وغيرهم.
أما الرجال فلا بأس أن يتعاطوا الشعر العربي ويجتمعوا عليه ويسمعونه، الذي ليس فيه محظور، وليس فيه غيبة، ولا سب ولا شتم، ولا يسبب الشحناء والعداوة، وبدون طبل أو أي منكر آخر.
أما عيب الناس وعيب قبيلة فلان فهذا مما يسبب الشحناء فلا يجوز، أما إذا حضَّروا شعراً طيباً، كشعر حسان والأشعار الطيبة، والقصائد الطيبة التي فيها الخير والدعوة إلى الخير، أو قام شاعر يدعوهم إلى الخير؛ من الجود والكرم والأعمال الطيبة، وقام شاعر آخر كذلك يدعو إلى الخير ومكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، فلا بأس، وقد قال صلى الله عليه وسلم:(إن من الشعر لحكمة) ، وقال لـ حسان:(اهج الكفار، فوالذي نفسي بيده إنه لأشد عليهم من وقع النبل) ، وقال:(اللهم أيده بروح القدس) فكان يهجوهم حسان وأشعاره عظيمة طيبة، وهكذا عبد الله بن رواحة وكعب بن مالك، وهكذا من بعدهم من الشعراء الطيبين.
ومن الشعر: نونية ابن القيم التي هي من أعظم الشعر ومن أنفعه، فهي قصيدة طيبة عظيمة نافعة، ونونية القحطاني قصيدة طيبة نافعة في العقيدة، وهكذا الأشعار الطيبة التي فيها الدعوة إلى الخير وإلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، هذا طيب في العرس وغير العرس.
أما أن يقوم شاعران أو أكثر يتناحرون، ويذم بعضهم بعضاً، ويسب بعضهم بعضاً، فهذا منكر، أو يسب هذا أهل قبيلة هذا، فهذا منكر، لكن إذا كان الشعر فيما ينفع الناس؛ في الدعوة إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، وبر الوالدين، وصلة الرحم، وطاعة الله ورسوله، وطاعة ولاة الأمور بالمعروف، والحذر من معاصي الله؛ فهذا كله طيب له أثر في النفوس، ولا بأس أن تعطى المغنية في العرس أجرة عملها، أو الشاعر الذي عنده أشعار طيبة، يدعى ليقول الشعر الطيب الذي ينفع الناس ويعطى جائزة، فهذا لا بأس به.
أما الذي يدعو إلى غيبة فلان وغيبة فلان وذم فلان، ومدح فلان، لإثارة الشحناء والعداوة والبغضاء بين الناس، فهذا منكر لا يجوز.